الشروع في محاكمة الغنوشي، ومن ورائه حركة النهضة من شأنه أن يزيد في تأزيم الوضع السياسي في البلاد، ويدفع الأوضاع الداخلية نحو الصدام والتوتر والعودة إلى السياسات الأمنية والعصا الغليظة..
سيكون استفتاء حول قيس سعيد وليس حول الدستور، أي تفويض مطلق وبيعة شعبية لشخص الرئيس، في حين أن الثقة في أخلاق الحاكم لا تكفي وحدها للحكم له أو عليه، لأن العبرة بالسياسات والاختيارات، ويخشى أن تكون النتيجة مؤلمة ومكلفة
من جهة تغرق البلاد يوما بعد يوم في أزمة هيكلية غير مسبوقة اقتصاديا وسياسيا، ومن جهة أخرى يراد حسم قضايا خلافية شديدة التعقيد والحساسية خلال أيام قليلة، وبدون مشاركة حرة وفعلية لمختلف الأطراف والقوى الوازنة، مما سيجعل الدستور القادم وثيقة تحلق في الفضاء، مطعونا في شرعيتها
ما أقدم عليه رئيس الدولة في هذا الشأن أعطى نتائج عكسية. أراد أن يقزم القضاة بناء على عينات تثبت فساد البعض منهم، وأن يُخضع الجميع لإرادته وسياسته عبر الضربة القاضية، إذا بهم يستوعبون الصدمة بسرعة، ويحولون اتجاه كرة النار نحو رمز الدولة وأسلوبه في إدارة الحكم..
الحالة لم تعد "طبيعية"، وأن رغبة الرئيس سعيد في فرض أجندته ستخلف وراءها كسورا يصعب إصلاحها سياسيا، خاصة بعد أن تخفق آخر المحاولات لترقيع العلاقة بين قصر قرطاج وقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل
تبدو الصورة أحيانا أشبه بصيغة اللجان الشعبية على الطريقة الليبية، دون أن تتوفر لأنصار سعيد نفس القدرات والخبرات التي حصل عليها سابقا أتباع العقيد القذافي، وفي ذلك مخاطر كبرى يمكن أن تهدد الدولة في مفاصلها الأساسية.
يتواصل الدوران حول نفس المكان، حيث استأنفت الأطراف الدولية ضغوطها على الرئيس قيس سعيد. يصدر بيان عن هذه الجهة، ثم يقع إجراء اتصال بأحد المسؤولين في تونس، بعد ذلك يقرر طرف آخر إرسال مبعوث أو وفد من أجل إحراج صاحب السلطة والقرار.
هناك أزمة عميقة تشق مختلف دول المنطقة، وتمنعها من التحول إلى مجتمعات حرة وديمقراطية. جرت العادة أن يتم تفسير ذلك وتعليله بدور العوامل الخارجية، مثل القوى الغربية التي تحرص على حماية مصالحها من خلال إدامة الهيمنة على المنطقة. لكن على أهمية هذا الجانب، غير أنه لا يفسر وحده الاستبداد
إذا كان المبرر الأساسي لقيام حزب جديد سيكون فقط الخلاف التنظيمي حول احتكار القيادة من قبل راشد الغنوشي، فإن هذا الحزب لن يذهب بعيدا، وسيكون مآله الدوران من جديد في نفس الحلقة المفرغة.
قيس سعيد ليس نسخة مكررة من زين العابدين بن علي؛ يختلف معه في أشياء عديدة، لكن مع ذلك، يبدو أن هناك من يدفع به نحو الوقوع في نفس المطب. هناك من يريد أن يحسم الخلاف بين الرئيس وخصومه عن طريق الحلول الاستثنائية..
يبدو أن قرار إيقاف وزير العدل السابق اتخذ على أعلى مستوى قبل توفير الأدلة التي تدينه بوضوح، لهذا تم الانتقال مباشرة إلى "اعتقاله" دون توفير شروط المحاكمة العادلة.