كتاب عربي 21

وجاء ترامب ورقصنا هيلاهوب

1300x600
الحب في الأرض شيء من تخيلنا/ لو لم نجده عليها لاخترعناه.. كما قال نزار قباني، وكانت إسرائيل لحين من الدهر، الشيء الذي لو لم نجده أمرا واقعا لاخترعناه، ويدين معظم زعمائنا بالفضل، لوجودهم المزمن على الكراسي، حتى أصابوها بالبواسير، وتخلخل المفاصل، لإسرائيل، ومواجهة وتدمير إسرائيل "أولوية"، وضرورة لعسكرة اقتصاد البلاد، وتقنين اغتصاب حقوق العباد، "ولا تتعجلوا التنمية والرفاه، لأن العجلة من الشيطان".

واسترزقت الصحافة العربية من وجود إسرائيل، إما بتبرير تلكؤ الحكام في لجم إسرائيل وتركيعها لنصلي العصر في القدس، أو بالنواح لأنهم يستيقظون كل صباح ويكتشفون أن إسرائيل تتمدد بالحرارة، ولا تنكمش بالبرودة، حتى صار عندنا نحو 6532 صحفيا متخصصون في سب إسرائيل، واقتراح الحلول لهزيمتها، لإقامة دولة فلسطين على أنقاضها، أو جزء كبير منها.

وفي السنوات الأخيرة، ظهر آلاف الكتاب المتخصصون في الشؤون العراقية، ثم صاروا متخصصين في الشؤون السورية، وشيئا فشيئا اكتشفوا أن سوق داعش يجلب لهم المزيد من الزبائن، فدخلوا ذلك السوق، ونسي معظمهم الأسواق المصرية والليبية واليمنية (رغم أن سوق الصومال كانت ولا تزال، أكثر امتلاء من أسواق كل البلاد العربية تلك، بالسلع التي تروق لتجار الكلام -وأنا منهم- وتصلح لتسويد الصفحات، وتوفير ذخائر للحناجر، إلا أن الصحفيين والزعماء العرب ليسوا ميالين لتناول شؤون البلدان المستعربة، مثل السودان والصومال وجزر القمر).

ثم جاء ترامب، وعزفت الأقلام ألحان الطرب، ورقص العامة والخاصة الهيلاهوب، وهي رقصة تتطلب الدوران والانثناء السريع والعنيف، كما الدراويش في حلقات الذكر، فالرجل سخي بالتصريحات والتغريدات والقرارات، التي توفر المادة الخام الضرورية للأقلام. 

ومن باب إبراء الذمة يحشر الكتاب فلسطين وإسرائيل وسوريا، في ثنايا اللعنات التي يصبونها على رأس ترامب.

ترامب أمين مع نفسه ومتصالح معها، ولأنه شخص هوائي، فإن الشتم يستهويه، فالهوائي لو رأى جنازة يسير فيها خلق كثير، تمنى لو كان هو الميت (في عاصمة عربية، تناقلت الصحف نبأ انتحار الشاب ع. غرقا بعد أن قفز من جسر إلى الماء، لأن أهل حبيبته رفضوا تزويجها له، وبعدها بأيام، شاهد الناس شابا يحاول تسلق حاجز نفس الجسر، فأمسكوا به لأنهم أدركوا أنه يحاول الانتحار، وأقنعوه بعدم قتل نفسه، ولكن وفي اليوم التالي قفز ذلك الشاب من نفس الموقع وارتطم جسمه بالماء، ولحسن -أو سوء- حظه، هرع قارب صيد وأنقذه من الغرق، وعند التحقيق معه، قال إنه يريد أن يكون مشهورا مثل ع. الذي انتحر، وحظي باهتمام الصحف حتى صار اسمه على كثير من الألسنة).

ورغم أنني ولدت حاملا جينات كره أهل السياسة الأمريكان، ورغم أن صورة ترامب واسمه، كانا يسببان لي المغص الكلوي والتهاب الجيوب الأنفية، بأكثر مما تفعل بي أغنيات شعبان عبد الرحيم، إلا أن تحول ترامب إلى مادة للتندر حتى بين العوام، جعلني أنفر من الإنترنت وهاتفي الذي يقال عنه إنه ذكي، أكثر من نفوري من ترامب. 

ورغم أنني ناشدت كل من يتواصلون معي عبر "واتساب" و"فايبر" و"إيمو" أن يرحموني، ولا يرسلوا لي أي شيء "صادق" أو مفبرك عن ترامب (لدي إلمام بأشيائه غير المفبركة بحكم طبيعة عملي. ومش ناقص)، إلا أنهم يتجاهلون توسلاتي، حتى صار ترامب كالموت يدركني أينما كنت.

وفي الدول الغربية، صارت هناك ممارسة اسمها جلد ترامب Trump-bashing، ولكنهم وبعكسنا يتبعون الفعل القول، ففي بريطانيا جمعوا أكثر من مليون ونصف المليون توقيع، لجعل البرلمان يناقش أمر منع ترامب من زيارة البلاد، ثم أعلن رئيس البرلمان البريطاني أنه إذا زار ترامب بريطانيا -لا قدر الله- فإنه يعارض السماح له بمخاطبة البرلمان. 

وفي أمريكا نفسها، يخرج مئات الآلاف كل يوم منددين بقرار ترامب بحرمان مواطني سبع دول ذات أغلبية مسلمة، من دخول الأراضي الأمريكية، وفي كل المدن الأوروبية الكبرى تشكل رأي عام ذو ثقل لمناهضة سياسات ترامب الداخلية والخارجية.

وفي المقابل، فكل ما يستطيع أن يفعله ما يسمى بالشارع العربي، إزاء ازدراء ترامب بالعرب والمسلمين، هو تأليف وتداول النكات عنه، فسياسات الحكم العربية لا تسمح لـ"الرأي العام" بالتعبير بالأنف (إفففف) أو الأذن (إنتاج الشمع منعا لتسرب ما هو ضار إليها) أو الحنجرة، (الهتاف الذي هو أضعف الإيمان، ومع هذا فهو من الكبائر).

تواصلت مع صحفيين عرب في عدد من بلدان اليعاربة، لتدشين حملة مقاطعة شعبية للسلع الأمريكية، لأن ذلك سيؤلم ترامب التاجر في اللحم الحي، فقال لي معظمهم إنهم يخشون أن يتعرضوا للملاحقة من السلطات الأمنية، وتعريض صحفهم للإغلاق، لأن ميثاق جامعة الدول العربية يحظر "المساس بدولة شقيقة أو صديقة".

في لقاء تلفزيوني، سألوا الرئيس السوداني عمر البشير عن نكتة أعجبته تنقد حكومته، فقال إن إمام مسجد كان يدعو في خطبة صلاة الجمعة: اللهم لا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا. فقاطعه أحد المصلين: هو سلَّط وخلص.. اسأله أن "يرفع".