مقالات مختارة

الحرب الأهلية الثانية

1300x600
أهم خبر تناقلته وكالات الأنباء ومواقع التواصل الاجتماعي من القاهرة مساء الأربعاء الماضي 7/12 كان إلغاء القبض على الحقوقية عزة سليمان مديرة مركز قضايا المرأة. خبر صباح اليوم ذاته كان إلقاء القبض على المحامي السكندري محمد رمضان الذي دأب على الدفاع عن النشطاء في الثغر. قبل ذلك بأربعة أيام كان الخبر الأكثر انتشارا هو استدعاء الدكتورة منى مينا وكيلة نقابة الأطباء للتحقيق معها أمام نيابة استئناف القاهرة، وهو الإجراء الذي تم بعد أيام قليلة من الحكم بحبس نقيب الصحفيين واثنين من أعضاء مجلس إدارة النقابة مدة سنتين، وفي طور لاحق فوجئنا بتمرير البرلمان لمشروع قانون تأميم الجمعيات الأهلية وإخضاعها للمؤسسة الأمنية.

حدث ذلك في حين منع سبعة حقوقيين من السفر إلى الخارج ووضعت أموالهم تحت التحفظ، وأغلقت الشرطة ثلاث مكتبات عامة بالأحياء الشعبية أقامها الحقوقي جمال عيد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان. وتم إغلاق مركز النديم لعلاج ضحايا التعذيب، ولا يزال التحقيق مستمرا مع المحامي الحقوقي نجاد البرعي واثنين من القضاة؛ لأن الثلاثة أعدوا مشروعا لمنع التعذيب.

ما سبق مجرد نماذج لتجليات الصراع الحاصل بين السلطة والمجتمع المدني، الذي بمقتضاه تلجأ السلطة إلى مختلف الأساليب لإسكات صوت المجتمع الخارج عن السيطرة؛ ذلك أن تلك السيطرة تحققت في ظل التشكيل الراهن لمجلس النواب الذي أصبح بمنزلة الذراع التشريعية للحكومة، وهو ما تأكد في الظروف المريبة التي صاحبت إقرار قانون الجمعيات الأهلية، وفي اللغط المثار الآن حول التلاعب في قانون الإعلام وفي التعديلات المتواضعة التي أدخلت على قانون منع التظاهر.

بعد إحكام تلك السيطرة التي يراد لها أن تشمل المجالس البلدية، فإن الجهات التي تدير مسلسل السيطرة المطلوبة أدركت أن صوت المنظمات الأهلية وبعض النقابات المهنية ينبغي إسكاته أيضا، لكي لا يعلو صوت فوق صوت الحكومة. ولذلك خاضت الأجهزة المعنية معركتها على تلك الجبهة، وكانت المنظمات الحقوقية صاحبة الحظ الأوفر من إجراءات الإسكات والقمع، لسبب جوهري هو أنها بحكم وظيفتها التي تبرر وجودها معنية بحماية المجتمع من الانتهاكات التي تمارسها السلطة، إن شئت فقل إنها أصبحت تمارس جانبا من الرقابة التي تخلى عنها البرلمان. ولأنها صارت تكشف ما تريد السلطة السكوت عليه وإخفاءه، فإن محاولات حصارها وملاحقة القائمين عليها باتت مفهومة، وذلك يفسر التركيز على تكبيل تلك المنظمات والبطش المستمر بأعضائها. إلى حد توجيه الاتهام إلى الذين حاولوا إعداد مشروع قانون لمكافحة التعذيب، كأن استمراره هو المطلوب والمرغوب. والأساليب المتبعة في ذلك عديدة، خصوصا أن النصوص القانونية الفضفاضة التي وضعها «ترزية» القوانين توفر هذه الفرصة، إذ إن عبارات مثل الإضرار بالأمن القومي أو تكدير السلم الأهلي أو الإخلال بالنظام العام، تفتح الباب واسعا للتنكيل بأي منظمة أو أي شخص وإخضاعه للتحقيق والمحاكمة، وربما حبسه أيضا استنادا إلى تحريات الشرطة الجاهزة.

كأننا بصدد طور آخر من الحرب الأهلية الدائرة في مصر، التي بدأت ضد ما يسمى بالإسلام السياسي، وبعدما قطعت شوطا بعيدا في ذلك فإن الحرب انتقلت إلى جبهة أخرى، صارت أنشطة المجتمع المدني عنوانا لها، ومن ثم فإننا انتقلنا من إجهاض محاولة أسلمة المجتمع إلى الانقضاض على مدنية المجتمع. وهو ما لا يعيدنا إلى نقطة الصفر فحسب، ولكنه يثير سؤالا كبيرا حول مآلات ذلك المسار الذي هو أبعد ما يكون عن طريق السلامة.