كتاب عربي 21

في الرد على المحتفلين بفشل ثورة الغلابة!

1300x600
لا يجوز للسيسي، وأتباعه، وإعلامه، وأزلامه، وحملة عرشه، الاحتفال بفشل الدعوة لما سمي بثورة الغلابة!

الاحتفال أخذ أشكالاً مختلفة، وصلت إلى حد السخرية عند عرض الشوارع فارغة من البشر والحافلات على "مدد الشوف"، والسخرية كذلك من الداعين لهذا اليوم بنقل الزحام الذي حدث على مدينة الألعاب "دريم بارك"، التي قدمت خصماً في هذا اليوم وصل إلى خمسين في المئة على تذكرة الدخول، وهناك من أخذته الجلالة إلى حد تفسير عزوف الناس عن المشاركة، بأنه تأييد لقرارات السيسي الاقتصادية، على قسوتها، لإيمان الشعب بضرورة اتخاذ هذه القرارات الشجاعة، التي تأخر اتخاذها أكثر من أربعين عاماً، في انتظار الحاكم الشجاع، الذي جاء على قدر!

لقد بدا المحتفلون بفشل الدعوة لثورة الغلابة في 11/11، أبرياء من الدعوة ومن النفخ فيها، مع أن الرأي العالم لم يعرف هذه الدعوة إلا من إعلامهم، ففي الوقت الذي كان يجري الترويج لها عبر إعلام السيسي، كان إعلام رفض الانقلاب يتحرج من التعامل معها، ولم يقترب من مناقشتها إلا بعد أن صارت واقعاً بفضل دعاية فضائيات وصحف المولاة، وظهر مقدمو البرامج (الأذرع الإعلامية للسيسي) وهم يضعون أيديهم على قلوبهم خوفاً من هذا اليوم، الذي ستسوى فيه "الهوايل"، وستسقط فيه الدولة، وزاد الطين بلة، اجتماع السيسي مع مجلس الدفاع الوطني، ثم القرار بنزول الجيش في المحافظات المختلفة، وإغلاق الميادين، وكذلك محطة أنور السادات، الخاصة بالمترو، وعملية إغلاق هذه المحطة كاشفة عن دعوة حقيقية بامتياز!

وهذا التضخيم الحكومي، هو الذي دفع الناس للنظر للدعوة بريبة، وصار هناك من بين صفوف الثوار من يقولون إنها دعوة مخابراتية، تقف خلفها أجهزة المخابرات، فلا يعرفون من يدعو إليها وبدت حركة "غلابة"، أقرب ما تكون إلى "الغول" و"العنقاء" و"الخل الوفي"، فلم يعثر إلى الآن سوى على فرد واحد، بدأ تعريفه بأنه مؤسس الحركة، ثم منسقها العام، قبل أن يصبح المتحدث الإعلامي باسمها، وبدا واضحاً لوسائل الإعلام أن الحركة مكونة من فرد واحد، هو المؤسس، والمنسق، والمتحدث الإعلامي، وعندما تتصل به الفضائيات فإنها تحدد موعد استضافته وفق جدول ارتباطاته الفضائية، فلا أحد غيره يتكلم باسم الغلابة، لتمثل حركته حالة مصرية بامتياز، فبعد أن عرفنا أحزاب "الأسرة الواحدة"، حيث الأب رئيسا للحزب، والوالدة أمينة المرأة، والابن أمينا للشباب، ها نحن نشاهد حركة الفرد الواحد، باعتبار أن الحركة بركة!

وهذا ما دفع البعض إلى إعلان أنها حركة مجهولة الهوية، وانتظر الكل نزول الكل، فكل الحركات الثورية أعلنت أنها ستنزل للشوارع إذا نزل الناس، وفي حالة الارتباك التي سادت الصف الثوري، مع اعتبار الدعوة من مجهول، نزل السيسي بالجيش والشرطة ليستولي على الشوارع والميادين، حتى بلغت نفقات عملية الانتشار هذه بحسب بعض التقديرات 250 مليون جنيه، في دولة يسأل السواد الأعظم من مواطنيها الله "ثمن النشوق"!

وهذه الحشود الأمنية بهذه الكلفة المالية، هي في إحدى جوانبها كاشفة عن سوء تقدير الموقف الأمني، مما يشكك في اللياقة العقلية لأهل الحكم، فكيف لهم أن يتصرفوا على أنها ثورة عارمة في هذا اليوم ويتقرر مواجهتها بهذا الشكل وبهذا العدد من المدرعات والأسلحة ومستلزمات القتل، ثم يتبين أن هذا الاستعداد من قبل السلطة والنفير الأمني بني على تصورات خيالية أنتجها عقل مخبول، فالناس متقبلة الإجراءات الاقتصادية بصدر رحب، ولا تزال تؤيد عبد الفتاح السيسي، ولا يصل هذا القبول وذلك التأييد إلى السلطة، ثم يصبح لها أن تحتفل بفشل الدعوة، وتخرج لسانها للقوى الثورية، وتغني أغنية "والنبي لنكيد العزال"، بدلاً من أن تحاكم على السفه الذي أنتجه عدم القدرة على تقدير الموقف بشكل واع!

فهل هذه الحشود الأمنية والاستعدادات العسكرية بـ "ثني .. مد.. تسعة استعد"، والهلع الإعلامي، واجتماعات السيسي بأركان حكمه، كانت فعلاً نتاج سوء تقدير الموقف، أم أن الأمر كله كان "تحت السيطرة" بمدلولاته العسكرية، وبالشكل الذي يردده كثير من الثوار، على النحو الذي دفعهم للتشكيك في الدعوة وعدم الاستجابة لها!

لستُ مؤمناً بنظرية المؤامرة، ومع ذلك لا يمكنني أن أحجر على المؤمنين بها، ومنهم من قال إن السيسي كان يريد إيصال رسالة لمجلس إدارة الصندوق الدولي، تفيد أنه الحاكم المسيطر لتسهيل عملية إقراضه، وربما اعتبر الدعوة لثورة الغلابة رمية بغير رام، فنفخ فيها بواسطة إعلامه، لتخرج قواته في حرب طواحين الهواء، وليؤكد للصندوق قدرته على السيطرة وأن قبضته حديدية، ولا تنسى أنه لما جن الليل في يوم 11/11 كان مجلس إدارة الصندوق يجتمع ويقرر الموافقة على إقراض السيسي!

لقد تعامل كثير من الثوار مع الدعوة المجهولة للثورة باسم الغلابة على أنها "كمين"، فعزف كثيرون عن المشاركة فيها، وإن نجح الإخوان في ستر عرضها بمظاهراتهم في الشوارع الجانبية، فإن كثيراً من الإسلاميين عزفوا عن المشاركة، إيماناً من البعض بأنها دعوة من داخل معسكر الانقلاب، وعدم إحساس البعض بجدوى النزول على قواعد الغير، وصاحب الدعوة غير مرئي، ولماذا لا نقر بأن هناك من يعتبرون أن مثل هذه الشعارات ليست قضيتهم التي تستحق أن يضحوا من أجلها، ويواجهوا نظاماً مفترساً، وسلطة لها سوابق في القتل والتصفية الجسدية؟!

لا بأس، فهل خسرت الثورة ونجح السيسي في هذا اليوم؟!

هذا ما يريد المحتفلون أن يوحوا به، فقد انتصر انقلابهم في يوم ثورة الغلابة، بالشكل الذي دفعهم لأن يرقصوا "عشرة بلدي" على أنغام الشوارع الفارغة، فهل هذا اليوم كاشف عن انتصار السيسي فعلا؟!

ربما الانتصار الوحيد الذي تحقق للانقلاب العسكري في هذا اليوم هو إقناع مجلس إدارة صندوق النقد الدولي، بأن الأمر لم يخرج من قبضة السيسي، مما جعله أهلا للحصول على القرض، الذي نعتبره مغرما لا مغنما، ويوم مأتم لا يوم حياة، فأي محتاج هذا الذي يعتبر أن إقراضه فوزاً عظيماً كما يوحي هؤلاء المغفلون الذين يحكمون مصر وأذرعهم الإعلامية؟!

بعيدا عن القرض، فإن صورة موت العاصمة المصرية، المزدحمة على مدار الساعة، لا توحي بأي استقرار، فأي سائح هذا الذي يأتي على بلد ينزل فيه الجيش والشرطة معاً للشوارع، فيعزف الناس عن الخروج من بيوتهم؟.. وأي مستثمر أجنبي هذا الذي يشاهد هذه الصورة، ويرى بلدا تفرض فيه قوات الأمن الفراغ وتنزل لحماية الحكم بهذا المشهد البائس، ثم يقدم على خطوة الاستثمار في مصر، حتى وإن وضع بنفسه قوانين الاستثمار التي قالوا إنها قيد التعديل؟!

ما علينا، هل صدق القوم فعلاً أن عدم استجابة المصريين ليوم ثورة الغلابة تأييد منهم لقرارات السيسي وانحياز منهم له؟

إذن وقد تأكد السيسي من أن الشعب معه، وأن الأمور قبضته، فإن أي نزول للجيش والشرطة يكلف ميزانية الدولة الملايين عند أي دعوة جديدة، فليس له إلا معنى واحدا، هو أننا أمام سفه ينبغي أن يقاوم، وأمام "عته منغولي" يستوجب الحجر عليه!

أعيدوا الجيش إلى ثكناته، بعد أن زالت مستوجبات نزوله، وافتحوا الميادين إن كنتم صادقين.