مقالات مختارة

إيران أولا!

1300x600
لم يعد غريبا ولا مفاجئا، (أو خبرا يستحق عناية خاصة) أن يخرج مسؤول إيراني ليردد خلاصة الخطاب السياسي الذي تعتمده بلاده إزاء المنطقة العربية وشعوبها وكياناتها، وآخر ذلك، ما قاله قائد «الحرس الثوري» اللواء محمد علي جعفري بالأمس، من «أن طهران هي من تقرر مصير سوريا. وأن الدول الكبرى تتفاوض معها لتحديد مصير دول المنطقة بما فيها سوريا».

لكن الغريب، هو أن تستمر دولة «ولاية الفقيه» في إعطاء عناوين إسلامية عامة لسعيها المذهبي! وإطلاق شعارات جهادية لمشروعها الفتنوي! وإخفاء نوازعها الخاصة تحت أثقال تمويهية على شاكلة محاربة الإرهاب والتكفيريين! أو «مساعدة الشعوب المقهورة»! أو التصدي للأطماع الخارجية، الأمريكية! والصهيونية! أو غير ذلك من أدبيات بلفية لا تتورع حتى عن المسّ بالمقدّسات الجامعة، عدا عن احترافها كسر كل القواعد التي تحكم وتتحكم بالعلاقات بين الدول في عالم اليوم.

المسؤول الإيراني لم يكتفِ بتأكيد ذلك كله، بل أضاف عليه ما هو مُهين حتى لأتباع إيران وعمّالها وصنّاعها والضاربين بسيفها. وهؤلاء على ما يقول بيان تبعيتهم، يأخذون من كلمة «المقاومة» سببا أساسيا لتبعيتهم لها. مع أنه في الخلاصة، السورية والخليجية والعراقية والبحرينية والسعودية والكويتية.. إلخ، ليس سوى ستار يكشف النوازع المذهبية أكثر مما يغطيها. ومع ذلك، وبرغم منه، فإن اللواء جعفري لم يتردد في إباحة القول وكشف الغطاء والإعلان جهارا، من أن القتلى الذين يسقطون «خارج حدود إيران» إنما يسقطون «دفاعا عن الثورة والنظام» الإيرانيين! أي إن إيران (الثورة والنظام) هي الأساس الذي يُقتل من أجله اللبنانيون والعراقيون والأفغان والحوثيون والتجمعات ذات الصلة المذهبية بها في أكثر من دولة «وساحة»، وليس السعي في ركاب «المقاومة» أو «الذود عن المستضعفين»، أو التصدي لمشاريع «أعداء الأمة»! أو غير ذلك من مناح وصلت في آخر الزمان، إلى ادعاء محاربة الإرهاب!

بل أكثر من ذلك. ما يقوله قائد «الحرس الثوري» هو أن إيران التي اعتمدت المذهب أداة جذب وربط خارج حدودها، وراحت بعيدا في تظهير الفوارق النوعية بين المسلمين على حساب المشتركات العامة والرئيسية، وسعّرت كل نوازع التمايز وصولا إلى طلب «الفتنة» بكل وضوح ممكن، تنتقل الآن إلى مستوى آخر من الفرز: الذين يقاتلون «دفاعا عن العتبات المقدّسة» على ما يقول جعفري حرفيا، «سيواصلون قتالهم حتى تحقيق الأهداف المنشودة للثورة الإيرانية في المنطقة»! أي أن «إيران أولاً» وأهدافها هي الأساس! وهناك مراتب عند خُدّام هذه الأهداف حتى داخل النسيج المذهبي الخاص: المذهبي اللبناني أو العراقي أو الكويتي أو اليمني أو الأفغاني أو الباكستاني، هو غير مثيله الإيراني! هؤلاء يَقتلون ويُقتلون خارج حدود بلادهم وكياناتهم الوطنية، دفاعا عن إيران و«ثورتها» ومشروعها في المنطقة! وتلك خاصية لم يتردد قائد «الحرس الثوري» في إعطائها عنوانا مجلجلا وخلاّبا من نوع القول: «إن الدفاع عن الثورة خارج حدود إيران، هو توفيق إلهي عظيم جدا ولا يناله أي شخص»!

المفارقة هي أن أحدا من «حزب الله» (مثلا) لن يخرج بكلمة واحدة اعتراضا على توصيفات جعفري، ولا على «شفافيته» ولا على ريادته في تسفيه كل الشعارات التي يقاتل تحت بيرقها أتباع إيران من غير الإيرانيين! بل إن من سيتولى «توضيح» بعض ذلك، هو مسؤول إيراني ما، لن يتردد في اتهام الإعلام المعادي بـ«التحريف».. والتخريف!

المستقبل اللبنانية