ملفات وتقارير

هجوم حلب يقرب المعارضة المعتدلة من "متشددي" الإسلاميين

جيش الفتح - ريف حلب الجنوبي - سوريا
يدفع الهجوم المدعوم من روسيا على حلب المعارضين للتعاون أكثر مع "المتشددين" الإسلاميين، ما يزيد من تعقيد سياسة غربية ترتكز على دعم المعارضة المعتدلة لبشار الأسد.

وشنت الحكومة هجوما عنيفا على المدينة، في حين يقول بعض المعارضين المعتدلين إن إخفاق الغرب في سوريا لم يترك لهم خيارا سوى التنسيق بدرجة أكبر مع الجماعات المتشددة، وهو عكس ما تسعى إليه السياسة الأمريكية.

وفي حلب، يشترك المعارضون الذين يقاتلون تحت راية الجيش السوري الحر في وضع خطط العمليات مع جيش الفتح، وهو تحالف من جماعات إسلامية يضم جبهة فتح الشام.

وفي الوقت نفسه، في محافظة حماة القريبة، تشارك فصائل الجيش السوري الحر المسلحة بصواريخ أمريكية الصنع مضادة للدبابات في هجوم كبير مع جماعة جند الأقصى، التي تستلهم فكر تنظيم القاعدة، ما اجتذب بعض نيران الجيش بعيدا عن حلب.

ولم يكن ذلك هو أفضل خيار بالنسبة للمعارضين من الجيش السوري الحر، فهناك خلافات فكرية عميقة بينهم وبين المتشددين الإسلاميين، وكانوا يقاتلونهم في بعض الأوقات. وقال زعيم معارض بارز إن أي شكل من أشكال الاندماج السياسي مع المتشددين ما زال أمرا غير وارد.

لكن البقاء أصبح هو العامل الرئيسي، في الوقت الذي يحاول فيه الغرب إيجاد سبيل لردع دمشق ومسانديها الروس والإيرانيين عن المضي قدما في حملة تستهدف انتزاع أهم معقل حضري للمعارضة، وهو القطاع الشرقي من حلب.

وقال مسؤول بارز من أحد فصائل المعارضة في حلب: "في وقت نتعرض فيه للموت، ليس من المنطقي أن نبحث فيما إذا كانت جماعة مصنفة إرهابية أم لا قبل أن نتعاون معها".

وأضاف: "الخيار الوحيد أمامك هو أن تسير في هذا الاتجاه".

وترتكز سياسات القوى الغربية وأعداء الأسد الإقليميين، ومنهم تركيا والسعودية، تجاه سوريا على دعم الجيش السوري الحر، وتزويده بالسلاح عن طريق مراكز تنسيق يديرها أعداء الأسد الأجانب.

غير أن الولايات المتحدة توخت الحذر بشأن درجة الدعم لهذه الفصائل، فعارضت إمدادها بصواريخ مضادة للطائرات؛ خوفا من أن ينتهي بها المطاف بين يدي جماعات إسلامية متشددة.

ويقول معارضون إن مسانديهم الأجانب تركوهم دون سلاح أو عتاد يذكر في مواجهة الطائرات الحربية الروسية والمقاتلين المدعومين من إيران، الذين رجحوا كفة الأسد في الصراع في العام المنصرم.

ورغم الشكوك العميقة، أيدت فصائل الجيش السوري الحر الجهود الأمريكية لتشجيع حل دبلوماسي بالتعاون مع روسيا هذا العام. لكن المعارضين يقولون إن الأسلوب الأمريكي لم يسفر سوى عن خيبة أمل.

 انتقاد المعارضة للاتفاق الأمريكي الروسي

وانضم فصيل من حلب، هو حركة نور الدين الزنكي، الأسبوع الماضي، لغرفة عمليات؛ لتنسيق العمل العسكري مع تحالف جيش الفتح. وقال عبد الحميد تركي، العضو البارز في المكتب السياسي لحركة نور الدين الزنكي، إن خطوات اتخذت كذلك لانضمام فصائل أخرى.

وقال إن حركته انضمت إلى غرفة عمليات جيش الفتح في المنطقة التي يعمل فيها.

وقال عبد السلام عبد الرازق، المتحدث العسكري باسم الحركة، إن الكتائب "الثورية" لا يمكنها القيام بأي شيء حيال "العدوان" الذي تشنه قوة عظمى بأسلحتها الحديثة.

لكنه قال إن المعارضين يمكنهم القيام بعمل عسكري لكسر الحصار في شرق حلب، الذي تسيطر عليه المعارضة، ويمكنهم كذلك تكثيف التعاون مع فصائل معارضة أخرى.

وقامت جماعة فتح الشام، التي تقاتل تحت مظلة جيش الفتح الإسلامي، بدور حيوي في كسر حصار الحكومة لشرق حلب في آب/ أغسطس، لكن الحكومة أحكمت حصارها للمنطقة مرة أخرى بعد بضعة أسابيع.

وبموجب اتفاق وقف القتال الأمريكي الروسي، الذي انهار الآن، كان يتعين فصل المعارضين القوميين عن جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا) على الجبهة الغربية في سوريا، حيث يعمل الطرفان عن كثب. وكان يتعين بعد ذلك أن تبدأ روسيا والولايات المتحدة معا استهداف جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية.

وينتقد المعارضون من الجيش السوري الحر الاتفاق، ويعترضون على ما يصفونه بأنه كيل بمكيالين تمارسه الولايات المتحدة؛ إذ تعدّ فتح الشام تنظيما يستحق مهاجمته، في حين تتجاهل مقاتلين شيعة يدعمون الأسد.

واعتبرت روسيا أن إخفاق الولايات المتحدة في حمل المعارضين على الانفصال عن المقاتلين الإسلاميين كان أحد أسباب فشل الاتفاق. وتقول واشنطن إن موسكو والأسد تخليا ببساطة عن الدبلوماسية؛ سعيا وراء انتصار عسكري.

 هل هي حرب عصابات طويلة الأمد؟

في بعض الحالات، اتسعت هوة الانقسامات السياسية بين المتشددين الإسلاميين والمعارضين في الفترة الأخيرة، خاصة؛ بسبب مشاركة المعارضين في حملة دعمتها تركيا لتأمين الحدود الشمالية لسوريا من تنظيم الدولة الإسلامية وجماعات كردية.

وأصدرت فتح الشام بيانا يمنع المشاركة في الحملة، رغم معاداتها لكل من تنظيم الدولة الإسلامية ووحدات حماية الشعب الكردية. ويعكس موقفها انتقاد المعارضة القائل بأن الحملة المدعومة من تركيا تشتت جهود الحرب ضد الأسد.

وقال نوي بونزي، كبير المحللين في المجموعة الدولية للأزمات، إنه لا يتوقع أن يندمج الجيش السوري الحر مع الجماعات الإسلامية المتشددة؛ بسبب الخلافات الفكرية والسياسية بينهم، والشروط المرتبطة بمساندة المعارضين.

لكنه قال إن هجوم الحكومة على حلب "سيدفع بوضوح كل الجماعات غير داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) نحو مزيد من التعاون".

وأضاف: "ما من شك في أن جهود فتح الشام لإقناع فصائل أخرى بالانضمام ستلقى قبولا على الأرجح إذا استمرت هجمات القوات الموالية للحكومة بهذا النطاق، وإذا لم تتمكن الدول التي تساند المعارضة من تقديم بدائل لتوفير المتطلبات الدفاعية التي تحتاجها المعارضة".

وقال مسؤولون أمريكيون، الأربعاء، إن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بدأت في دراسة إجراءات أكثر شدة للرد على هجوم الحكومة المدعوم من روسيا على حلب، بما في ذلك الخيارات العسكرية. لكن لم يتضح ما الذي يمكن أن يفعله الرئيس أو إن كان سيفعل أي شيء.

ومن ناحية أخرى، تقوم جماعات المعارضة بمراجعة استراتيجيتها. وقال المسؤول البارز في أحد فصائل المعارضة في حلب إن التخلي عن أراض قد يكون احد عناصر النهج العسكري الجديد للمعارضة، وأضاف: "نحن في حرب تحرير ضد روسيا وإيران".

وتابع: "الشهور القادمة، وربما الأيام القادمة، ستشهد تغييرا في الاستراتيجية العسكرية... قد تتحول إلى حرب عصابات طويلة الأمد".