مقالات مختارة

السقوط النهائي لبغداد

1300x600
هل تريد الحكومة العراقية تغيير السياسة السعودية تجاه العراق أم تريد استبدال سفير السعودية في بغداد ثامر السبهان لتأكيد ما لم يعد في حاجة إلى تأكيد، أي أن العراق صار تابعا لإيران؟

جاءت زيارة الوفد الحوثي لبغداد واستقبال وزير الخارجية إبراهيم الجعفري له بمثابة ملحق بالشكوى العراقية من السفير السعودي، بما يشير إلى أن العراق الحالي صار حالة إيرانية اكثر من ميؤوس منها.

الواضح أن هناك ما هو ابعد من استقبال الوفد الحوثي والطلب العراقي الوقح بتغيير السفير السعودي الذي لا يقول شيئا غير معروف عن التدخل الإيراني في العراق ومدى سيطرة الميليشيات المذهبية على مرافق الدولة ومؤسساتها. انّه تدخل يعبّر عنه كلّ يوم رئيس الحكومة حيدر العبادي الذي ليس ما يشير إلى انّه يختلف في شيء عن سلفه نوري المالكي، الذي اخذ على عاتقه تحويل العراق مستعمرة إيرانية. الدليل على ذلك أن مسؤولا عسكريا إيرانيا هو الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» يدير ميليشيات عراقية تسمّى «الحشد الشعبي» تخوض معارك في العراق. 

هناك إصرار لدى الحكومة العراقية على قول الأمور كما هي من دون مواربة. وهذه نقطة تسجّل لحكومة العبادي التي لا تتردد، خصوصا عبر وزير الخارجية، عن السير في الخط الإيراني بشكل اعمى. 

لذلك ليس مستغربا أن يقول السفير السعودي في بغداد الأمور كما هي أيضا. المسألة ليست مرتبطة بالسفير السعودي الذي اسمه ثامر السبهان. أي سفير سعودي في بغداد سيتصرّف بالطريقة نفسها. 

اذا كانت الحكومة العراقية تريد موقفا سعوديا مختلفا حيال ما يجري في العراق، يتوجّب عليها قبل كلّ شيء إثبات أنها حكومة تعمل في بلد مستقلّ وليس مجرّد تابع لإيران. هذا كلّ ما في الأمر. هل تستطيع الحكومة العراقية التصرّف من هذا المنطلق؟ ذلك هو السؤال الأساسي، فيما التركيز على السفير السعودي، بغض النظر عن اسمه، ليس سوى محاولة للهرب من الواقع ومن الحال التي يعاني منها العراق.

بعد الدعوة إلى استبدال السفير السعودي، لم يعد من شكّ في عمق الأزمة التي يعاني منها العراق، وهي أزمة عائدة أولا وأخيرا إلى وضع إيران يدها على البلد، نتيجة الحرب الأمريكية التي اصرّ عليها جورج بوش الابن في العام 2003. ما نشهده اليوم هو نتيجة طبيعية لتلك الحرب التي كانت إيران شريكا فعليا فيها على كلّ المستويات. لم تكن شريكا عبر التسهيلات العسكرية التي قدّمتها للولايات المتحدة فحسب، بل كانت شريكا في صياغة مستقبل العراق، على أسس طائفية ومذهبية أيضا.

مرّة أخرى، لا بدّ من العودة إلى مؤتمر لندن الذي عقدته المعارضة العراقية في كانون الأول 2002 من اجل الاتفاق على الأسس التي سيقوم عليها النظام الجديد بعد إسقاط الأمريكيين لصدّام حسين. كانت رعاية المؤتمر أميركية - إيرانية. جاء أعضاء وفد المعارضة العراقية وقتذاك إلى لندن من طهران في طائرة واحدة. كان أعضاء الوفد من الأكراد والشيعة في تلك الطائرة. كان الهدف من المؤتمر التوصل إلى بيان هو الأول من نوعه عن «الأكثرية الشيعية في العراق» وعن الصيغة «الفيديرالية» لعراق ما بعد صدّام حسين. لماذا تجاهل الأكثرية العربية في العراق والتي تضمّ الشيعة والسنّة من أهل البلد؟

نشهد اليوم فصلا آخر من فصول وضع اليد الإيرانية على العراق، بما في ذلك الاعتراض على وزير المال هوشيار زيباري، الكردي الذي سعى أن يكون وزيرا لكلّ العراقيين والدفاع عن هامش للمناورة خاص بالعراق، خصوصا عندما كان وزيرا للخارجية. هناك الآن محاولات مكشوفة لإخراج زيباري من الحكومة وذلك من اجل إثبات أن من يحكم العراق هو «الحشد الشعبي»، أي «الحرس الثوري» الإيراني.

ليس طلب استبدال السفير السعودي رسالة إلى المملكة فحسب، بل هو رسالة إلى جميع العرب والى القوى الدولية، على رأسها الولايات المتحدة أيضا. فحوى الرسالة انّه مثلما أن «الحرس الثوري» يحكم إيران في ظل عباءة «الوليّ الفقيه»، فانّ «الحشد الشعبي»، وهو مجموعة ميليشيات مذهبية تابعة لأحزاب عراقية تعمل لدى إيران، هو من يحكم العراق.

كلّ ما في الأمر أن العراق صار في مكان آخر. كان إعادة فتح السفارة السعودية في بغداد وإرسال سفير إلى العاصمة العراقية مناسبة للتأكّد من ذلك. ربّما للتأكد من أن ظهور «داعش» في العراق كان الهدف منه ظهور «الحشد الشعبي» أيضا وذلك كي يتابع الإيرانيون عملية استكمال السيطرة على العراق بالاعتماد على الغرائز المذهبية.

ليس الموضوع موضوع استبدال سفير عربي في بغداد، وذلك على الرغم من أن السفير السعودي ارتكب خطيئة وضع يده على الجرح. الموضوع موضوع استبدال بغداد ببغداد أخرى. انهّ انتقام من هذه المدينة بالذات بكلّ ما مثلته عبر تاريخها الطويل والعريق، كمدينة لجميع العراقيين من كل المذاهب والطوائف والقوميات.

هل يمكن للعراق ولأهل المنطقة استعادة بغداد يوما، بغداد السنّية والشيعية والمسيحية والعربية والكردية والتركمانية...؟ ذلك هو السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح بعدما كشف السفير ثامر السبهان ما لم يعد سرّا عسكريا، أي سقوط قرار بغداد نهائيا في يد طهران وفي يد «الحشد الشعبي»، أي «الحرس الثوري» على الطريقة العراقية.

المستقبل اللبنانية