قضايا وآراء

قراءة في تشكيلة حكومة الوحدة الوطنية التونسية

1300x600
لم تمر أكثر من ثلاثة أشهر على دعوة رئيس الجمهورية التونسية "الباجي قائد السبسي" تكوينَ حكومة وحدة وطنية حتى أعلِن عن تشكيلة حكومة " يوسف الشاهد" يوم 20 آب/ أغسطس 2016، لتنال ثقة  "مجلس نواب الشعب" ستة أيام بعد ذلك، فتصبح النسخة  السادسة في تعاقب الحكومات منذ إسقاط النظام في 14 يناير/ كانون الثاني/ يناير 2014.

تستند حكومة "يوسف الشاهد" على أغلبية برلمانية مُريحة، فقد حظيت بموافقة 167 نائبا من أصل 217، مما يعني أن لها قاعدة داخل مجلس نواب الشعب تسمح لها بالعمل دون ضغوطات أو إكراهات،  سواء على صعيد التشريع، أو على مستوى  إعداد السياسات العمومية ومتابعة تنفيذها. ويبدو من خلال تركيبة أعضائها أنها  تمكنت من الانفتاح على مجمل مكونات الطيف السياسي التونسي، حيث ضمَّت "علمانيين" و"إسلاميين"، و"يساريين"، و"نقابيين"، وشخصيات مستقلة. كما أنها وازنت بين تمثيليات الفرقاء السياسيين، اعتماداً على نتائج انتخابات  26 تشرين الأول/ أكتوبر 2014. وفي السياق نفسه، ضمِنت مراعاة " النوع"Gendre، بتخويل النساء موقعا مميزا (8 حقائب من أربعين)، وكذلك الشباب (14 شابا) حيث أن متوسط أعمار الوزراء لا يتعدى 48 سنة، بل إن عُمر رئيس الوزراء نفسه لا يتعدى الـ41 سنة، ليكون بذلك أصغر وزير أول في تاريخ تونس منذ الاستقلال.

تسمح قراءة تشكيلة حكومة "يوسف الشاهد"، المُعوّل عليها أن تكون "حكومة وحدة وطنية"، باستخلاص مجموعة من الملاحظات، ذات الصلة بطبيعة تركيبتها، وما يمكن أن يترتب عنها من مضاعفات على أدائها مستقبلا.

تتعلق الملاحظة الأولى بحجم الحكومة، أي بعدد أعضائها، فقد ضمت في الإجمال 26 وزيرا ووزيرة، و14 كاتب دولة وكاتبة دولة، ليصل طاقمها الكلي إلى أربعين عضواً، وهو في الواقع رقم كبير جداً في بلد صغير مثل تونس، يحتاج إلى جهاز حكومي مُقلّص، فعال وناجع، ومخطط قويم لترشيد النفقات، وآليات واضحة لحصر المسئوليات وعدم تشتيتها. ويبدو أن الدافع وراء تشكيل حكومة بهذا  الحجم يعود إلى هاجس البحث عن التوافق بين الفرقاء السياسيين والاجتماعيين، والحرص على فتح الباب للشخصيات المستقلة، والعمل من أجل أن يكون لكل مكوّن نصيبه في الحكومة الجديدة. لذلك، تعرض "يوسف الشاهد" فور الانتهاء من تشكيل الحكومة والإعلان الرسمي عن أسمائها إلى انتقادات مفادها أنه خضع في مشاوراته مع الأحزاب والتنظيمات المشاركة إلى تغليب "المحاصصة"، و"إرضاء الخواطر"، أكثر من البحث عن كفاءات حزبية وغير حزبية قادرة على إنقاذ البلاد مما وصلت إليها أوضاعُها العامة. والواقع أن حكومات نظيرة لحكومة "يوسف الشاهد" عانت من مشكلة المحاصصة، التي كانت لها انعكاسات مُضرة بالأداء الحكومي.. نُشير ، على سبيل المقارنة، إلى ما تعرضت له حكومة "عبد الرحمان اليوسفي" في المغرب ما بين 1998 و2002، أي ما سمي وقتئذ "حكومة التناوب التوافقي"، حيث ضمت أكثر من أربعين عضواً بين وزير وكاتب دولة.

تخص الملاحظة الثانية، نوعيةَ الكفاءات المُعينة من قبل "يوسف الشاهد"، ومدى صلتها بالقطاعات المسندة إليها، وقدرتها على الإنجاز. فمما لاحظ بعض التونسيين، أن ثمة كفاءات حكومية بعيدة عن القطاعات التي تولت مسؤولية إدارتها، وهو ما يعني أن أداءها قد يكون محدوداً وغير نوعي. صحيح أن منصب الوزير أو الوزيرة في أية حكومة هو بالدرجة الأولى منصب سياسي، وأن جوهر العمل يقوم به الموظفون الإداريون والخبراء أصحاب  الاختصاص، لكن مع ذلك يظل دور الوزير مركزياً في المبادرة، والاجتهاد الخلاق، وتدبير ملفات القطاع  الواقع في دائرة مسؤوليته. 

مما لوحظ أيضا على حكومة "يوسف الشاهد" مراعاتها  تمثيلية المحافظات والجهات الأساسية في البلاد، و هو، في الواقع، أمر إيجابي يُسجل لصالحها، غير أن ذلك لا يكفي، إذا لم يُعزز بسياسات عمومية حكومية  تحقق التوازن في توزيع الثروات بين مختلف المجالات الترابية التونسية، وتُشعر الساكنة بأن هناك إرادة لإعادة الاعتبار لمناطق الظل في تونس، والسعي الجدي لرفع الظلم الاجتماعي عن حواضر ومدن كانت في طليعة " الحراك الاجتماعي " الذي أفضى إلى إسقاط النظام، وفتح آفاق التغيير الديمقراطي في البلاد. 

في خطاب "يوسف الشاهد" لحظة تنصيب الحكومة أمام مجلس نواب الشعب يوم 26 آب/ أغسطس 2016، تمّ التأكيد على بعض الإجراءات التي قد تضطر تونس إلى القيام بها، من قبيل "تسريح" الموظفين، ورفع الضرائب والرسوم، والزيادة في الأسعار، وغيرها  من الخطوات ذات الانعكاس المباشر على الحياة اليومية للمواطنين.. والحقيقة أن كثيرا من الملاحظين أثارتهم هذه الأفكار ، أو التطلعات.. في وقت يتطلع التونسيون إلى تحسن أوضاعهم وتغيّرها نحو الأفضل.. لكن بإمعان النظر في الواقع الاقتصادي والمالي التونسي، يمكن الجزم بأن حكومة "يوسف الشاهد" ستكون ملزمة على اجتراح مثل هذه الحلول، وهي بالمناسبة علاجات مفروضة من قبل المؤسسات المالية الدولية، التي يهما التوازن "الماكرو اقتصادي" على حساب الأوضاع الاجتماعية، وقد عاشت حكومات مجاورة لتونس هذا الواقع، كما هو حال الحكومة التي قادها "الإسلاميون" في المغرب ما بين 2011  و2016، حيث أقدموا على سياسات اجتماعية  مَسّت القدرة الشرائية للمواطنين، لم تستطع أية حكومة سابقة القيام بها، أو حتى التفكير الجدي فيها.