كتاب عربي 21

الإسلام الديلفري

1300x600
كنت أظن أنّ وزير السياحة التونسي الفهّامة النحرير هو الذي اقترح تعبير "الصيام الذكي" واقترح تقليص "رمضان الغبي" إلى 13 يوما، والصيام إلى ثمان ساعات رشيقات حسب توقيت غرينتش، لا حسب الأهلة، التي قال فيها الذكر الحكيم: " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ". وقد يخرج وزير سياحة لاحقا باقتراح جعل رمضان شهرا شمسيا في ديسمبر البارد أسوة بالكريسماس!

ظننت هذا لأنّ السياحة مربض خيولنا الاقتصادية بالإضافة إلى النفط، ولأنّ تونس متفوقة في "العلمانية الذكية". وتخيلت أنّ الجماهير وقت إجازة الرخصة من الأوقاف ستهتف لبابا نويل: وما استوزرناك إلا رحمة للصائمين المساكين الذين يصومون هذه الساعات الطويلة، ثم تبين لي أنّه وزير الأوقاف الجزائري، فالجزائر أيضا علمانية مثل تونس وبقية الدول العربية بما فيها المملكة العربية السعودية التي تتصف بعلمانية خاصة يمكن اختصارها بأنّها تفصل بين الدين والمُلك وإن كانت تسمح "بالدين الطاعة" أو أنّها تحكم به شكيمة المجتمع.

وعلمت أنّ اسم الوزير مثمر بالسعادة فهو سعيد السعدي. ويظن كثيرون أنّ وزير الأوقاف تقي ورع وعلامة وفقير مثلي إلى الله تعالى، لكنه لا يختلف عن وزير الدفاع في الدول العربية الذي هو عادة ثور إسبانّي، وغالبا بقرة ضاحكة، لا تفهم سوى بالطبخ والرز وأحيانا بالزهور والنحل والديكور.. لكن عفوا حتى كتب الطبخ والزهور والرز مسروقة من المجندين والضباط الأذكياء مقابل إجازة زيارة الأهل كما في حالة الفاتح مصطفى طلاس. لكن الجميع بحمد الله يفهمون في "علم تطبيق النساء" وهو علم شهير برهنت على صحته المذيعة المصرية الشهير صاحبة حمالة الصدر أو حمالة الكفن (لا علاقة للصفة بحمالة الحطب أم جميل)، فجميع القادة العرب يجيدون هذا العلم. ملاحظة أخرى هي أنّ بريطانيا التقية الرحيمة أبدت قلقها على الصائمين الذين يجوعون ويعطشون لكن قلقها يتوقف عند بطش الصيام الظالم فهي لا تمنح حق اللجوء سوى للسوريين المعطوبين أو المغتصبين جنسيا! باختصار الإسلام ممنوع ويفضل هدر الدين باسم الرحمة أو العولمة.

نتذكر أنّ بورقيبة - بسقط اللوى فحومل- قام ببطولة شرب الماء في وضح النهار في شهر الصوم، ليس مثلما فعل الشيخ الخشاب لكي يثير المسلمين غيرة على القدس المحتلة من الصليبين قبل عشرة قرون، وإنما من أجل زيادة الإنتاج الاقتصادي لكني لم اسمع أنّ تونس تحولت إلى نمر آسيوي بعد إفطار بورقيبة وبقيت سلحفاة آسيوية تعيش على كفاف السياحة التي تعمل هذه الأيام حسب توقيت داعش.

عذرا فالذاكرة تخون صاحبها بالليل والنهار مع عشيقها الزمن، وقد ابتعدت عن قصة  تعبير "الإسلام الذكي"، والحصيفون يفضلون تسميات أخرى غير هذه فليس من الصواب أنّ تقول "الإسلام الأفغاني" أو "الإسلام السعودي" الصواب: أنّ تقول "الإسلام في السعودية"، والأحسن من هذا وذاك أن تقول "المسلمون في السعودية"، لأنّ الإسلام بأركانه وُشُعب الإيمان وحلاله وحرامه معروف، والذين يحتاجون للإصلاح هم المسلمون وعلماؤهم وليس الإسلام. 

عدَّ معي جلالة القارئ الكريم: هنالك الإسلام اللطيف "الكوول" والذي نراه في وزارات أوقاف الأنظمة العربية بما فيهم هباش دولة الحكم الذاتي، وعلى رأسهم أزهر مصر الشريف وجاء ذكره على لسان وزير الأوقاف العطوف علي جمعة الذي استشهد بحديث الهرة الشهير دعما للسيسي. وكنت أظن أن نظام السيسي، سيختار وزراء كاملي الأوصاف سليمي النطق مثل صاحب "الهظة" لكن يبدو أن مصر بمليواناتها التسعين ليس فيهم رجل رشيد. فوزير الأوقاف حريص على صحة الهرة من الصيام القسري وينسى شعبا محبوسا ممنوع من خشاش الأرض، فالشرطة تصادر عربات البيع وبسط السريحة وهذا يعني حسب الحديث الهرة أن وزير الأوقاف من أهل النار فيرست كلاس.

هناك الإسلام "السبور" الرياضي الذي يحطم الأرقام القياسية في الوحدة الوطنية، والإسلام السوبر ديلوكس ونجد مثالهما في عضو مجلس الشعب السوري السابق السيد محمد حبش قد خشيت أن يكون احمد خيري العمري بات من هؤلاء، فهو عقلاني يكاد ينكر أخبارا من السيرة النبوية مثل رؤيا عاتكة في معركة بدر في برنامج له على قناة الشارقة طمعا في العقلانية. تيار الإسلام "العقلاني" هو أكثر تيارات الإسلام شيوعا بداء من محمد فريد وجدي وليس انتهاء بجماعة القاديانية التي تنكر المعجزات لأن نبيها "المسيح الموعود والمهدي المنتظر" بلا معجزات. والإسلام "الكوميدي" لصاحبه باسم يوسف الذي تعجب من كيفية جمع الملائكة ملايين الحسنات وأشفق عليها، في تغريدة ساخرة!

"الإسلام المحمدي" ورد على لسان بشار الأسد، ربما نسبة إلى المطرب محمد عبده أو إلى الجنرال الحارس محمد ناصيف، والقصد هو الإسلام من غير شريعة ومن غير مذاهب إسلامية، وكان البوطي قد حذر في كتاب "اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية" من دعاة هدر المذاهب الإسلامية لكن النظام لشطارته لعب بالبوطي كما كان يلعب بطاقية محمد الجواهري شيش بيش.

"إسلام فليكسبل" هو إسلام قناة العربية ربما هو إسلام "دايت"، خال من الدين، للتسلية والفولكور وخدم سياحة الحج. إسلام السلفية المصرية بات حسب الطلب الرسمي وطنيا وفرعونيا وقارونيا.

"الإسلام الصيني" – لا علاقة لهذا الوصف بالزبدية الصينية التي ترن عند العزف عليها - يمنع الصيام حرصا على صحة المواطنين الصينين. وقد جدّ إسلام جديد بظهور الداعية "افيخاي مردخاي" الذي كتب تغريدة منذ أيام يهنأ المسلمين بشهر رمضان المبارك، ويمنّ عليهم بأن نتنياهو حريص على دين الإسلام ، فلو أحب الخداع مثل الحكام العرب، لأدعى دخول الإسلام وبات ملك فلسطين "بالتغلّب"، فالفقهاء التقليديون يدينون للحاكم المتغلب بالسمع والطاعة والذوبان في عشقه! 

المعشوق الأخير ، له إسلام خاص، "ديلفري"، نجده في كلمة التشهد الخاصة بدينه: كل حاجة ما ترضيش ربنا إحنا معاها.

 حتى الموت طبعا.