بورتريه

فاروق الشرع يعاد إلى الحياة.. هل من جديد؟! (بورتريه)

فاروق الشرع

يواصل عملية الاختفاء والظهور بشكل يثير التساؤلات، لماذا اختفى؟ وأين؟ ولماذا يظهر فجأة؟ وإلى أين سيمضي؟


كان يعد من السياسيين المفضلين للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وأحد الأركان الأساسية في القرار السياسي في سوريا أثناء حكم ابنه بشار الأسد، حينما تم تعيينه نائبا للرئيس خلفا لعبد الحليم خدام، الذي أعلن انشقاقه عن دمشق عام 2005.


يعرف بالرجل الأيديولوجي الذي يحسن السباحة في مياه السياسة الواقعية، ويوصف بأنه خريج مخلص لمدرسة حافظ الأسد السياسية.


رجل دولة بارع في إجراء التسويات، وفي الصمت أيضا، ويمكنه أن يكون الرجل الهادئ في زمن الفوضى، ودبلوماسيا متحركا في خضم الأزمات.


فاروق الشرع المولود في عام  1938 في مدينة درعا جنوب سوريا، وخريج كلية الآداب/ لغة إنكليزية من "جامعة دمشق" عام 1963، والقانون الدولي من "جامعة لندن" عام 1972، بدأ حياته العملية في "شركة الطيران السورية" عام 1963 وحتى عام 1976، حين عينه الأسد الأب في منصب سفير سوريا لدى إيطاليا بين عامي 1976 و1980.


وفي عام 1980، عين وزير دولة للشؤون الخارجية. وفي عام 1984، أصبح وزيرا للخارجية السورية. ويشغل منذ عام 2006 منصب نائب رئيس الجمهورية السورية.


له الدور الأبرز والأساسي في توقيع "تفاهم نيسان " بين "إسرائيل" و"حزب الله" برعاية فرنسية، التفاهم الذي يقول قسم من اللبنانيين إن رفيق الحريري هو من دعا إليه، وهذا التفاهم كان له دور كبير في تحرير جنوب لبنان.


بعد أن شوهد على الملأ آخر مرة في جنازة مسؤولين قتلوا في تفجير مبنى الأمن القومي السوري، بثت وسائل إعلام عربية وأطراف بارزة في المعارضة، من بينهم لؤي المقداد وهيثم المالح ورياض الأسعد، عن انشقاق الشرع عن النظام، وقالوا إنهم متأكدون بنسبة 100% من انشقاقه.


وكانت الأضواء قد تسلطت بكثافة على ابن عم فاروق، الجنرال يعرب الشرع، الذي انشق عام 2012 عن الجيش السوري، وأعلن عن وجوده في الأردن، وسوقت رواية تربط انشقاق يعرب بكبير عائلة الشرع السنية، السياسي المخضرم فاروق الشرع.


وفي اليوم ذاته، صدر بيان عن مكتب فاروق يقول إن الشرع "لم يفكر في أي لحظة بترك الوطن إلى أي جهة كانت"، وهو ما يتفق مع  بيان نسب للقيادة المشتركة لـ"الجيش الحر"، جاء فيه "أن العملية (انشقاق الشرع) ربما باءت بالفشل".


وفي عام 2014، سرت تصريحات صحفية عن أن فاروق الشرع ممنوع من مغادرة سوريا تحت أي ظرف أو سبب بأمر مباشر من الأسد، وأن عناصر من "الحرس الثوري" الإيراني تتولى حراسته.


وأفادت بعض التسريبات بأن القيادة الروسية أخذت ضمانات من الأسد بضمان سلامة الشرع؛ لأنه ربما يكون من الشخصيات الأساسية التي يمكنها لعب دور جوهري في المرحلة الانتقالية، وفقا لوجهة نظر موسكو.


وتقول تقارير متوافقة إن إيران لا تريد أي دور للشرع في الحل السياسي؛ لأنها تعتبره قريبا جدا من دول مجلس التعاون الخليجي، وتربطه صلات قوية بالسعودية خاصة.


وتكمن مشكلة إيران مع الشرع في موقفه المعارض لوجود قوات من "الحرس الثوري" الإيراني ومقاتلي "حزب الله" و"المليشيات العراقية" في سوريا، إذ حذر من أن تدخل إيران وحلفائها سيشجع دولا إقليمية على التدخل في الملف السوري، كما أنه سيفضي إلى تحول الثورة السورية إلى ثورة مسلحة.


كما أنه طالب روسيا أكثر من مرة بلعب دور أكبر في إيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية مع الولايات المتحدة، وهو ما اعتبرته طهران خطوة تهدف إلى تحجيم دورها.


ويرى الإيرانيون أن الشرع استغل موضوع استعمال السلاح الكيمياوي على نطاق واسع في منطقة الغوطة بريف دمشق، والتهديدات العسكرية الأمريكية التي ارتبطت بهذا الملف، ليحرض الروس على التدخل؛ بحجة إنقاذ الموقف.


ولم تمض ساعات قليلة على مؤتمر "الحوار الوطني السوري في سوتشي"، و"مفاوضات "جنيف-8" أواخر الشهر الماضي، حتى ظهر فاروق الشرع من جديد، بعد غياب استمر لسنوات، ما يعني أن هذا المؤتمر، المكمل لمسار "جنيف"، قد يرسم ملامح المرحلة المقبلة من الحل السياسي في سوريا.


ويقول محللون صحفيون إن طرح اسم الشرع جاء باقتراح تقدم به عدد من المعارضين إلى الجانب الروسي، وجاءت الموافقة عليه لأسباب عديدة، أهمها اعتبار الشرع شخصية وسطية تحظى بقبول رسمي ومعارض في آن، وهو ظل بعيدا عن العمل السياسي لسنوات، ما يعني أن شرط المعارضة المتكرر بقبول "من لم تتلوث أيديهم بالدم السوري" ينطبق أيضا على الشرع، الذي سيُطرح، بقبول من المعارضة وروسيا، ليكون رئيسا لسوريا خلال المرحلة الانتقالية.


لكن إقناع "شركاء موسكو" بالشرع قد لا يكون عملية سهلة، فإيران ما زالت متمسكة بالأسد في منصبه، فيما لا تهتم روسيا بشخص الأسد ذاته بقدر ما يهمها الحفاظ على وحدة الدولة وتماسك مؤسساتها، ووجود بديل كالشرع لن يعرقل مسار الدولة، وسيكون مقبولا من النظام ومؤسساته، كما من المعارضة، والدول الداعمة لها، التي لطالما تمسكت برحيل الأسد عن سدة الحكم.


وتشير تسريبات صحفية متقاربة إلى أن مصالح المعارضة السورية تتقاطع مع القبول الروسي بطرح الشرع، فهو قادر "على تسلم الرئاسة في المرحلة الانتقالية، والخوض في عملية الإصلاح السياسي والدستوري، ولا يهدد وحدة مؤسسات الدولة واستمراريتها"، ورجحت المصادر أن تسير الأمور بالاتجاه الذي تريده روسيا، بعدما أصبحت تدير الملف السوري بكل تفاصيله، خصوصا السياسية.


وبحسب العميد السوري أحمد رحال، فإن "هنالك معلومات تتحدث عن ترشيح فيصل المقداد لرئاسة المرحلة وليس فاروق الشرع.


وقال عضو "تيار الغد" السوري، عبد السلام عباس النجيب، إن "فاروق الشرع يعدّ من الأشخاص المقبولين نسبيا لدى جمهور المعارضة السورية، لعدة أسباب، أبرزها: أنه عُزل من بداية الأحداث في سوريا، ويده لم تتلطخ بدماء السوريين، بالإضافة لكونه قادرا على إدارة المرحلة الانتقالية بجدارة، فضلا عن قبول جمهور نظام الأسد به؛ لعدم توفر خيار آخر لديهم".


من جهته، قال الباحث السوري خليل المقداد: "نعلم بالمبادرة التي قدمت في بداية الثورة السورية من قبل فاروق الشرع، الذي حاول أن يساعد على إيقاف ما يحدث، كون المظاهرات انطلقت من مدينة درعا، الأمر الذي أدى لتحجيم دوره، ووضعه تحت الإقامة الجبرية، لكن بعد أن دعت الضرورة لوجوده خلال المرحلة الحالية بدأ نظام الأسد بمحاولة تسويقه، رغم كبر سنه الذي لا يسمح له بلعب دور كبير".


وتنبئ المؤشرات الحالية عن محاولة إنجاز تسوية مرحلية تحافظ على منظومة الحكم، ودمج المعارضة التي تم اختيارها في الرياض برؤية روسية أمريكية تضمن بقاء الأسد.


ويقول معارضون إن المعارضة السورية تعتقد أن هناك الكثير من الأشخاص الذين يعدّون مؤهلين لقيادة المرحلة، ويرغبون بلعب دور أكبر.


ويبدو أن إدارة روسيا للملف السوري ستدفعهم إلى القبول بمرشح موسكو، وذلك من خلال أدواتها التي تُعول عليهم، المتمثلة بكل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية، حيث إن معظم الأشخاص ضمن المعارضة السورية تم اختيارهم من قبل نائب رئيس الهيئة العليا للمفاوضات، خالد المحاميد المقرب من محمد دحلان، مستشار ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وحضروا قمة الرياض الأخيرة؛ لتحديد أسماء ممثلي المعارضة في "جنيف" وغيره.


وستكون موسكو، ربما بتوافق مع تركيا وإيران، هي صاحبة الكلمة الأولى في تحديد الشخصية التي ستلعب دورا في المرحلة الانتقالية، وفقا لشرطين، الحفاظ على منظومة الدولة السورية دون تفكيك، وضمان مصالح موسكو الاستراتيجية، ولن يكون الشرع أو أي شخص آخر على خلاف مع موسكو، التي تتحكم في كل شيء في سوريا، حتى مستقبل الأسد نفسه.