كتاب عربي 21

الملفات المزعجة تلاحق حركة النهضة

1300x600

مرت ست سنوات على عودة حركة النهضة إلى نشاطها السياسي العلني، وهي تتهيأ حاليا للاستمرا في خوض عامها السابع من هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر. فلو بقيت في المعارضة لكان طريقها أيسر، لكنها اختارت أن تمسك بالسلطة في المرحلة الأولى، ثم قبلت أن تكون شريكا في الحكم عندما انتقلت إلى موقع الحزب الثاني في البلاد؛ من حيث عدد النواب في البرلمان.

لم تكن هذه الرحلة السياسية مجرد نزهة ممتعة، بقدر ما كانت رحلة شاقة تعرضت خلالها الحركة للعديد من الهزات القوية، والتي أثرت بشكل ملحوظ على شعبيتها وأيضا على مصداقيتها. ولهذا تراها حتى اليوم تحاول جاهدة أن ترد على وابل الاتهامات التي تلاحقها باستمرار، في حين يعمل خصومها، وهم كثر، على ملاحقتها مثل مدرب الثعابين، يخرجون لها من حين إلى آخر إحدى الملفات المحرجة القديمة التي لا يراد لها أن تغلق؛ لأن العديد منها لم يحسم بشكل نهائي سواء عبر القضاء أو سياسيا.

 

يعمل خصوم النهضة على ملاحقتها مثل مدرب الثعابين، يخرجون لها من حين إلى آخر إحدى الملفات المحرجة القديمة التي لا يراد لها أن تغلق

أُخرجت في الأسبوع الماضي ثلاثة ملفات من هذه الملفات، أولها ما يعرف في تونس بملف التسفير، والمقصود به البحث عن الطرف أو الأطراف التي كانت تقف وراء تشجيع الشباب على الالتحاق ببؤر التوتر، وتسهيل خروجهم من البلاد. وقد شكل البرلمان لجنة خاصة للتحقيق في هذا الأمر وتحديد المسؤوليات والوقوف عند من كان وراءه. وبما أن الفترة التي شهدت بداية الهجرة نحو سوريا للقتال ضد نظام الأسد تزامنت مع مرحلة حكم الترويكا، ورجوعا إلى تصريحات أطلقت هنا وهناك، يلاحظ أن المطلوب ضمنيا من وراء ذلك هو "التعرف على مدى تورط حركة النهضة في هذا الملف".

هناك أطراف عديدة تعتقد بأن النهضة قد لعبت دورا محوريا في الدفع بشرائح واسعة من الشباب التونسي نحو هذه المحرقة، في حين تعمل قيادة الحركة على إنكار ذلك والنأي بنفسها عن كل ما يتعلق بالعنف والإرهاب. لكن نفي الحركة وقادتها لم يكن كافيا للتخلي عن توجيه الاتهام إليها. ولهذا، ما إن قام أحد الأمنيين السابقين، وهو مسؤول عن إحدى الجمعيات الأمنية، بالإشارة في شهادته التي أدلى بها أمام اللجنة البرلمانية المكلفة بهذا الملف إلى ما يفهم منه بأن حركة النهضة "قد تورطت في هذا الأمر"، حتى انتفض نواب الحركة في البرلمان، وشككوا في روايته وفي نواياه. وهكذا عاد الجدل من جديد حول هذا الملف الخطير.

على صعيد آخر، قررت هيئة الحقيقة والكرامة تنظيم جلسة استماع يوم الجمعة الماضي؛ خُصصت لتقديم شهادات تتعلق بأحداث الرش التي شهدتها مدينة سليانة قبل ثلاث سنوات خلت. كان يوما مرعبا، حين أصيب العشرات من شباب هذه المدينة المهمشة في أجسادهم بسبب استعمال السلاح الذي يتم اللجوء إليه عادة لقتل الحيوانات. حصل ذلك في عهد الترويكا، عندما كان السيدان حمادي الجبالي رئيسا للحكومة وعلي لعريض وزيرا للداخلية. لقد شكل ذلك صدمة للجميع؛ لأن الحادثة وقعت بعد الثورة، وضد شباب كانوا يطالبون بالشغل وبالكرامة. لكن قادة حركة النهضة في ذلك الوقت لهم رواية مختلفة، واعتبروا مجددا أن ذلك التحرك الاحتجاجي كان موجها ضد الدولة ولم يكن سلميا، وأن اللجوء إلى هذا السلاح المحرم دوليا تم الاضطرار لاستعماله بهدف حماية المؤسسات.

من أعطى الأوامر؟ ومن يتحمل المسؤولية السياسية؟ وهل يمكن الاكتفاء بسجن عدد قليل من أعوان الأمن الذين قاموا بإطلاق النار على أولئك الشباب؟ أسئلة لا تزال مطروحة، وبالتالي يستمر الملف مفتوحا ينتظر تسوية نهائية وعادلة.

أخيرا وليس آخرا، استغل خصوم النهضة قرار دول الحصار المضروب على قطر، والقاضي بإدراج "اتحاد علماء المسلمين" ضمن قائمة الإرهاب، وذلك لتصويب هجومهم نحو رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي؛ باعتباره أحد مؤسسي هذا الاتحاد، وكان يتولى مهمة نائب الرئيس الشيخ يوسف القرضاوي. ورغم أن الغنوشي لم يعد عنصرا فاعلا داخل هذه المنظمة، ورغم أن هذا القرار يأتي في سياق النزاع الإقليمي الذي انفجر قبل أشهر داخل الأسرة الخليجية وليس وثيقة مرجعية على الصعيد الدولي، إلا أن الحركة انزعجت كثيرا منه، وأصدرت بيانا لتبرئة رئيسها من تهمة الإرهاب، مع تجنب التصعيد السياسي ضد السعودية والإمارات.

 

المطلوب ممارسة النقد الذاتي، ووضع كل ملف في سياقه السياسي والاجتماعي، والاعتراف بالأخطاء التي حصلت أثناء ممارسة السلطة


هذه ليست سوى عينات من ملفات كثيرة لا تزال خاضعة للتجاذبات السياسية والإيديولوجية بين حزب النهضة وبقية الطيف الواسع من الخصوم. الحرب ستبقى مستمرة ومتجددة، وتغذيها أطراف عديدة وأسباب متنوعة. لن يخفف قادة النهضة من تداعيات هذه التركة الثقيلة إلا عندما يتجنبون أسلوب الدفاع أو التبرير. المطلوب منهم ممارسة النقد الذاتي، ووضع كل ملف في سياقه السياسي والاجتماعي، والاعتراف بالأخطاء التي حصلت أثناء ممارسة السلطة، وتقديم الاعتذار السياسي للضحايا، دون أن يعني ذلك بالضرورة أن جميع التهم الموجهة إليهم صحيحة وثابتة. فالنفي المطلق لن يساعد على تجاوز نكسات التجربة، ولن يمهد لتحقيق مصالحات عميقة ومتأكدة.