قضايا وآراء

التعليم المغربي في خطر

محمد مالكي
1300x600
1300x600
وصف رئيس " المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي" في المغرب النظامَ التعليمي، وخصوصا على مستوى المدرسة الثانوية، بأنه في وضع خطر، وأن التشخيص، الذي أقيم على أربع وثلاثين ألف عينة من الطلاب، وبمشاركة ستة وأربعين ألف من المدرسين، وخمسمائة وثلاثة وأربعين من مدراء المدارس الثانوي، يؤكد هذه الخطورة، ويبين بالواضح مؤشراتها. 

والحقيقة ليست هذه الصرخة المُدوية عن واقع التعليم، والمآلات التي وصلتها، مما يمكن نعته بالمفاجأة، أو بالصدمة غير المسبوقة، فقد نبه عاهل البلاد منذ خطاب 20 غشت/ أغسطس 2013 إلى الوضع المأساوي لواقع التعليم في المغرب، وعلى وجه التحديد حال المدرسة العمومية، وشدد على ضرورة الاستعجال في معالجة قضية التعليم وجعلها لا تقل أولوية عن الوحدة الترابية.

 من النتائج الصادمة التي أعلن عنها تقرير المجلس الأعلى للتعليم أن 84% من طلاب القسم العلمي لا ينالون المعدل في الرياضيات، كما يُعاني أقرانُهم في القسم الأدبي من تراجع كبير في كتابة اللغة العربية، ومستواهم منخفض في اللغة الفرنسية، بحسبها اللغة الثانية بعد اللغة الأم العربية. 

لذلك، فالصورة مُخيفة بالنسبة لواقع التعليم العمومي في المغرب ، على الأقل على مستوى التسع سنوات الأولى من التمدرس. أما أسباب ذلك، فترجع إلى مصفوفة من المحددات، منها ما هو تاريخي ومزمن، وأخرى لها صلة بالرؤية والإمكانيات، وصنف ثالث يتعلق بإعداد الإنسان نفسه أكان مدرسا أو تلميذا. 

 فمن زاوية التاريخ، شكل التعليم باستمرار قضية تجاذب واختلاف، والأخطر مثل منذ عقود حقل تجريب واختبار، ونادرا ما اكتسى بُعدا استراتيجيا وتم تنزيله المنزلة اللائقة به ، كقضية مصيرية بالغة الأهمية. والشاهد هنا تعدد المناظرات واللقاءات التي أقيمت من أجل صياغة رؤية لمعالجة حال التعليم في المغرب. 

واللافت للانتباه أن على الرغم من وجود شعور جماعي بالتدني المتزايد لواقع المدرسة العمومية المغربية وتقهقر مخرجاتها، لم يتشكل، مع الأسف، وعي مشترك حقيقي لإخراج المسألة التعليمية من دائرة المزايدات السياسية، والتجاذبات الضارة وغير المجدية، بل والمهددة للتعليم في كثير الأحيان، وتحويلها إلى قضية استراتيجية وأفق لتكاتف الطاقات والكفاءات الوطنية. نلمس هذا في العديد من الاختلالات التي طالت التعليم العمومي منذ عقود، من قبيل: المشكلة اللغوية وطبيعة التعامل مع اللغات بشكل عام، حيث عاش المغرب تذبذبا لا حدود له بين التعريب والانفتاح على اللغات الأجنبية ( الفرنسية أساسا)، مما كان له الأثر السلبي على مستويات تمكن التلاميذ من اللغات. ويلاحظ المتابعُ للشأن التعليمي في المغرب، كيف تراجعت اللغات في العقدين الأخيرين، إلى حد فقدَ التلاميذ ممكنات التحكم في لغتهم الأم العربية، فبالأحرى السيطرة على اللغات الأجنبية، وهو ما أضر كثيرا بجودة المخرجات.

 والحقيقة أن واقع التعليم في المغرب لا يشكو من حال اللسان فيه ، أي اللغة أو اللغات، بل يعاني من فجوات كثيرة ، ليست اللغة سوى أحد مظاهرها. فمما يساعد على تفسير هذه الفجوات ضعف الرؤية الناظمة لقضية التعليم وسبل تحقيق جودته وضمان اقتدار وكفاءة مخرجاته. والحال أن رؤية قطاع استراتيجي من حجم التعليم لا يمكن فصلها عن المشروع المجتمعي بكامله. إذ بقدر ما يتوفق مجتمع ما على رسم مشروعه الوطني، والتوافق حول مقوماته وقسماته الكبرى، بالقدر نفسه يستطيع إعداد رؤية حول تعليم أجياله.. فالعلاقة طردية، ولا يمكن فصل أو تفكيك حلقاتها. 

لذلك، سعى " المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي"، منذ صدور قانون تأسيسه(2014) إلى وضع رؤية استراتيجية لإصلاح التعليم على مدى زمني يتراوح ما بين 2015 و2030، اختار لها شعار " من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء"، وقد تخللت وثيقة رؤية للإصلاح أربعة محاور ، توزعت حول " الإنصاف" و" الجودة" و" الارتقاء" و" الريادة".

 لاشك أن " المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي" توفق في القيام بتشخيص عميق لحال المدرسة العمومية المغربية ومآلها، وأنه قام بجهد جماعي كبير في صياغة " رؤية استراتيجية لإصلاح التعليم" على مدى زمني مقبول ومفتوح على مراكمة المنجزات وتقييمها من أجل تطويرها نحو الأفضل، لكن هل وضع أصابعه على المكامن الحقيقية لاستعصاء إنجاز عملية الإصلاح والتغيير؟. 

إن ثمة العديد من المؤشرات في الواقع المغربي الدالة على استمرار مصادر الاستعصاء في إرادة صناعة سياسات التعليم والقيمين على تنفيذها أولا، وفي نفوس الكثير من الناس المستهدفين من العملية التعليمية والفاعلين فيها. والحقيقة هناك أمثلة كثيرة يمكن استحضارها لتأكيد استمرار هذا الاستعصاء، من قبيل عدم محاسبة المسؤولين عن تنفيذ السياسات العمومية ذات العلاقة بقطاع التعليم، الذين ثبتت في حقهم اتهامات سوء تدبير المال العام، كما هو حال الأموال التي هدرت من دون نتيجة في تطبيق " المخطط الاستعجالي" على سبيل المثال. فعلى الرغم من ثبوت فساد من قبل العديد من المسؤولين في التعليم الثانوي ( الأكاديميات)، ومؤسسات التعليم العالي، فقد ظل الفاسدون طلقاء دون مراقبة ولا محاسبة.. 

إن إفسال روح الحوكمة في قطاع التعليم من شأنه أن يرجع الصدقية لتدبير شؤون المدرسة العمومية، وفي الواقع هذا مثال واحد من عشرات الأمثلة التي أعاقت إصلاح التعليم في المغرب وعرضته إلى التراجع المتزايد منذ عقود.
 
 
 
1
التعليقات (1)
المصرى أفندى
الثلاثاء، 07-03-2017 09:31 م
المغربى فقط ؟