كتاب عربي 21

بين القيمي والسياسي: أين تقف أطراف الصراع في ليبيا؟

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600
عندما تصف الواقع السياسي الليبي بالحركة السريعة فأنت محق جدا، ولكنك لن تفي المشهد حقه في الوصف إذا لم تنتبه للتقلبات الكبيرة والتحولات غير المفهومه عند كثير من المتابعين للشأن الليبي.

تحدثنا في مقال سابق عن التشظي الذي شهدته جبهة طرابلس بعد إطلاق عملية فجر ليبيا في يوليو 2014، وكان من مظاهر هذا التشظي المواجهات التي وقعت الجمعة الماضية في العاصمة طرابلس والتي تقاتل فيها من كانوا في جبهة واحدة ضد كتائب منسوبة لمدينة الزنتان، ويختلط السياسي النفعي بالقيمي في تبرير وتفسير ما جرى.

مواجهات بن جواد والسدرة في المنطقة الوسطى والشرقية التي وقعت اليومين الماضيين تكشف صورة أخرى من صور التقلب والتحول الكبير في خارطة النزاع وتموقع الأطراف المتصارعة.

القوة التي بادرت بالهجوم كانت بأمر وإشراف المهدي البرغثي، الوزير المفوض لوزارة الدفاع بحكومة الوفاق الوطني، وضمت عناصر تابعة لحرس المنشآت النفطية الذي كان يقودها إبراهيم الجظران، وأفراد تابعون لتشكيل سرايا الدفاع عن بنغازي. 

المهدي البرغثي شارك في عملية الكرامية بعد 15 أكتوبر 2014، ودكت كتيبة 204 دبابات التي تقع تحت إمرته معاقل مجلس شورى بنغازي الذي تشكلت قوة سرايا الدفاع عن بنغازي لنجدته في مواجهته مع الجيش التابع للبرلمان. 

التقلبات في الولاءات والأحلاف تضع سؤال دوافعها في المقدمة. بمعنى هل السياسي والبراغماتي هو العامل المحرك في تحديد مواقف واصطفافات أطراف الصراع اليوم، وهل فقد العامل القيمي مكانته في هذا الصراع، حيث كان أساسيا في توجيهه؟

مما لا شك فيه أن الدافع القيمي كان من أكبر محركات وموجهات مواقف مجلس شورى ثوار بنغازي ومن بعدهم قوة سرايا الدفاع عن بنغازي. فبالإضافة إلى كون معظمهم من الإسلاميين بمختلف مستويات تدينهم - الوسطي والمتشدد - فإن قرار دخولهم في الحرب واستمرارهم فيها حتى النهاية قائم على نزعة دينية جوهرها اعتبار خليفة حفتر صائلا منقلبا على الشرعية، وبالتالي وجب قتاله والتصدي لمشروعه. ينبني على الموقف القيمي (العقدي) مسألة مهمة وهو اعتبار كل من التحق بيه وشايعه على نفس خطه، ولا يخرجه من ذلك إلى توبة يزكيها سلوكه.

هذه المسائل كانت صلب تقييم موقف المهدي البرغثي، آمر كتيبة 204 دبابات، والذي أصبح وزير الدفاع المفوض التابع للمجلس الرئاسي. فكثير من أنصار مجلس شورى بنغازي وسرايا الدفاع يعارضون التحالف مع البرغثي أو حتى مجرد التنسيق، باعتبار أنه أثخن في دماء قوة مجلس شورى بنغازي بعد انضمامه للكرامة، بل ويذهب بعضهم لاعتباره حصان طروادة لضرب قوة الثوار في الشرق والغرب.

من مضى في مسار الحلف مع البرغثي من مجلس بنغازي وقوة سرايا الدفاع يبدو أنه يتجاوز المنطلق الأيديولوجي ويجنح إلى مقاربة بسيطة وهي أن الخطر الأكبر هو خليفة حفتر، وأن إزالة هذا الخطر أو التصدي له يبرر أي عمل وبالتالي لا قيمة للجدل القيمي المجرد المتعلق بماضي المهدي البرغثي المخطط والمشرف على العملية العسكرية التي استهدفت حقول وموانئ النفط، الورقة المهمة التي أصبحت بيد حفتر منذ سبتمبر الماضي.

عند غير الإسلاميين المسألة تبدو أيسر وأقل تعقيدا، فكل منشق على الطرف الثاني هو إضافة مهمة دون النظر كثيرا إلى تاريخه أو الدوافع التي تحركه، وأن الجنوح إلى السلم يتطلب قرارات شجاعة وتسامحا وافرا. فها هو اللواء نايل المفرج عنه من سجون مصراتة العام الماضي لأسباب تتعلق بالمصالحة يشكل قوة ضاربة في الجنوب يمكن أن تكون إحدى أدوات الصراع ضد مصراته والمناطق المؤيدة لها.

الأمر أكثر مرونة بالنسبة لجبهة الكرامة، فقد اجتمع في معسكرهم الإسلاميين من بعض أنصار التيار السلفي، إضافة إلى الانفتاح على بقايا النظام السابق والاعتماد عليهم في القتال وفي ضبط الأمن، والمعيار سياسي براغماتي بحت قائم على تعزيز النفوذ وإضعاف الخصم، وقد كان هذا صريحا في خطابات قادة عملية الكرامة وفي مقدمتهم عرابها خليفة حفتر.

خطورة التقلبات الحادة والمواقف المتشددة أنها تطيل في عمر الصراع، وتجنح بالوضع العام إلى مقاربة إما متشددة أو مائعة، وكلتاهما تعارض مطلب تجاوز القتال وتعيق عملية الانتقال الصحيح وبناء الدولة.
التعليقات (0)