قضايا وآراء

ثورة الغلابة.. رهانات الحشد والحشد المضاد

قطب العربي
1300x600
1300x600
حين خرجت الدعوة لثورة الغلابة في آب/ أغسطس الماضي، لم يعرها الكثيرون اهتماما، فهي مجرد دعوة مجهولة سبقتها دعوات مماثلة لم يشعر بها أحد، وعلى أقصى تقدير صاحب بعضها ضجة كبرى، لكنها انتهت إلى نتائج عكسية كدعوة ثورة الشباب المسلم التي انتهت بصدور أحكام البراءة للمخلوع حسني مبارك.

لماذا إذن أخذت دعوة ثورة الغلابة في 11/11 زخما مختلفا؟ وهل ستنتهي إلى لا شيء كسابقاتها؟ أم ستكون نهاية لحكم العسكر كما يأمل مطلقوها؟ أم ستكون في منزلة بين المنزلتين فلا هي بالفاشلة تماما، ولا هي بالحاسمة تماما، ولكنها ستكون موجة ثورية كبرى تعيد الروح للمسار الثوري الذي خفت كثيرا رغم استمرار الحراك الميداني منذ وقوع الانقلاب؟

لعل السبب الأول لانتشار هذه الدعوة هو عدم انتسابها لأي من التنظيمات أو القوى السياسية أو الثورية المعروفة، بل إن الموقف الظاهر لغالبية هذه القوى والحركات هو التنصل والتشكيك في الدعوى، والادعاء بأنها مجرد دعوة مخابراتية تمهد لاتخاذ إجراءات اقتصادية قاسية جديدة عقب الفشل (المتوقع من وجهة نظر تلك الحركات) كما حدث مع ثورة الشباب المسلم التي انتهت إلى صدور أحكام البراءة للرئيس المخلوع حسني مبارك، ولعل السبب الثاني لهذا الزخم هو التردي الكبير للأوضاع المعيشية للشعب، الذي وصل إلى كسر خطوط حمراء ظلت متماسكة لفترات طويلة من قبل، تمثلت في اختفاء سلع استراتيجية مؤخرا مثل السكر، ومن قبله حليب الأطفال، ومع استمرار الانهيار السريع للجنيه في مواجهة الدولار والعملات العالمية تتزايد هذه المعاناة الشعبية، لدرجة أن أبواق النظام تهدد بأن الأسوأ لم يأت بعد!! وربما كان هذا سببا جديدا داعما لانتشار تلك الدعوات.

صحيح أن الأزمات الاقتصادية والمعاناة الشعبية ظهرت بقوة منذ الأيام الأولى للانقلاب رغم المليارات الخليجية التي نجحت في منع غرق سلطة السيسي، إلا أن الكثير من المصريين كانوا ضحية عملية تخدير إعلامي عسكري وعدتهم برغد العيش بعد صبر قليل، وتعلق الكثيرون بوعد السيسي نفسه بأن مصر ستكون "قد الدنيا" وأنه يحتاج سنتين لتحقيق ذلك، وقد مرت السنتان وبعدهما شهور، فما تحقق شيء، بل زادت المعاناة، وانكشفت مع الوقت الخدع والأوهام التي ساقها النظام عن مشروعاته الكبرى والصغرى والتي لم ير الشعب منها إلا مزيدا من الضغوط على حياته، وهاهم البسطاء الذين وضعوا "تحويشة العمر" في سندات تفريعة قناة السويس في انتظار أكبر عائد مصرفي (12%) يخسرون نصف قيمة ودائعهم، فمن استثمر 8 آلاف جنيه فقد نصفها، فقد كانت تعادل ألف دولار، وها هي اليوم تعادل حوالي 500 دولار فقط، كما أن عائدات قناة السويس بكل تفريعاتها الحديثة والقديمة تتراجع عن معدلاتها الطبيعية، وإلى جانبها تتراجع تحويلات المصريين في الخارج وعائدات السياحة والاستثمارات الأجنبية إلى درجة التلاشي. 

وبسبب كل ذلك تتزايد طوابير العاطلين عن العمل، والمتعثرين عن سداد التزاماتهم الاجتماعية ( مدارس – علاج- أقساط سكن) أو أقساط بنكية الخ، وكل ذلك وفر مناخا خصبا لنمو وانتشار الدعوات ليوم 11 نوفمبر، فانتشرت البوسترات والكتابات الداعية لهذا اليوم على حوائط القاهرة والمحافظات، كما ظهرت أغان شعبية تحشد لثورة الغلابة، وأمام هذا الانتشار الشعبي بدأت بعض القوى الكبرى مثل جماعة الإخوان المسلمين والتحالف الوطني لدعم الشرعية تعلن دعمها بشكل عام لهذه التحركات، وأعلنت العديد من الشخصيات والرموز الثورية دعمها أيضا، في حين لا يزال البعض يبدي شكوكه ومخاوفه.

مع الانتشار الواسع لهذه الدعوات، خصوصا على صفحات التواصل الاجتماعي، بدأت الأذرع الإعلامية للسلطة تشتبك معها بتوتر ظاهر، وبتكرار سخيف للتهديد بـ"مصير سوريا والعراق" الذي ينتظر مصر والمصريين إن هم تجاوبوا مع تلك الدعوات، لكن الأخطر هو تحرك الدولة العميقة بأجهزتها الإعلامية وقدراتها المالية واللوجستية وبرجال أعمالها لترتيب حشد مضاد من العمال والموظفين المقهورين، أو حتى من مجندي الجيش والشرطة في أزياء مدنية، وفتح ميدان التحرير لهم مع استخدام كل أدوات القوة والقمع لمنع المصريين من النزول للتظاهر في هذا اليوم، في تكرار لتجربة ثورة الشباب المسلم، ويوم الأرض 25 إبريل الماضي، وفي حال تم هذا المخطط، فمن المؤكد أن السيسي سيسارع لاتخاذ كل القرارات الصعبة ضمن حزمة مطالب صندوق النقد الدولي لتمرير قرض الـ12 مليار دولار لمصر، وسيكون أخطر تلك القرارات هو التعويم التام للجنيه، والرفع الكامل للدعم عن السلع والخدمات.

الإرهاصات حتى الآن تشي بتجاوب شعبي مع دعوات النزول، رغم التهديد باستخدام كل أدوات القمع لمواجهتها، فقد تزايد انتشار هذه الدعوات بعد تهديد السيسي بنشر الجيش خلال 6 ساعات، وما لحقه من تهديدات وزير الداخلية مجدي عبد الغفار باستعداد شرطته لمواجهة أي حراك، وليس مستبعدا أن تسعى السلطة نفسها لارتكاب بعض عمليات القتل أو النهب، وقد يكون منها قتل العميد عادل رجائي قائد الفرقة 9 مدرعة، وربما قتل لواءات شرطة آخرين، أو رجال أعمال أو فنانين ومثقفين وساسة، وذلك بهدف تخويف المصريين من حالة فوضى موهومة، وكذا لضمان توحد الجيش والشرطة في مواجهة هذا الحراك الشعبي.

الكرة الآن في ملعب الغلابة، الذين يدفعون الفاتورة الكبرى لسياسات هذا النظام، فإما أن يهبوا للدفاع عما تبقى من لقمة عيشهم وعن كرامتهم، ويحتملوا ما سيلاقونه من قمع كما هو حال الثوار الصامدين في الشوارع منذ أكثر من 3 سنوات، وإما أن يفوتوا هذه الفرصة كفرص سابقة ليمنحوا بذلك للنظام الحق في المزيد من القتل والتنكيل ورفع الأسعار، وانتهاك الحقوق والحريات. اللهم بلغنا 11/11، واكتب لنا فيه نصرا على القوم الظالمين.
0
التعليقات (0)