مقالات مختارة

شمعون بيريس الرجل الثاني وبائع الأحلام

خير الله خير الله
1300x600
1300x600
نظريا، كان شمعون بيريس، الذي كان رئيسا لإسرائيل ورئيسا للوزراء ووزيرا للدفاع، إضافة إلى شغله مواقع أخرى منذ إعلان دولة إسرائيل في العام 1948 مؤيدا للسلام. وثمّة من يقول إنّه عمل من أجله. عمليا، كان بيريس صاحب كلام جميل عن السلام مع الفلسطينيين والتعاون الإقليمي يصبّ في التغطية على الاحتلال وتغليفه بثوب لائق. كان مجرّد بائع أحلام ورجل علاقات عامة يسوّق الاحتلال في العواصم الغربية.

توفى بيريس الذي بنى مجده على أنّه كان مديرا لمكتب ديفيد بن غوريون، أوّل رئيس للوزراء في إسرائيل، عن ثلاثة وتسعين عاما أمضى معظمها في واجهة الأحداث في الشرق الاوسط. على الرغم من ذلك كلّه، لم يستطع في يوم من الأيّام الإقدام على خطوة حقيقية في اتجاه السلام. هل كانت تنقصه الجرأة على ذلك، أم كان في حقيقة الأمر رجلا مترددا، وثمة من يقول مراوغا، لا أكثر؟

كان مترددا ومراوغا في الوقت ذاته. ظهر ذلك بوضوح عندما فشل في كلّ مرة كان فيها زعيما لحزب العمل في تحقيق انتصار حاسم. تعادل في إحدى المرات مع حزب ليكود اليميني وتوصل معه إلى صيغة التناوب على رئاسة الوزراء. وتولى مرّة ثانية هذا الموقع بعد اغتيال إسحق رابين في تشرين الثاني 1995 ممهدا لمجيء بنيامين نتانياهو إلى رئاسة الوزراء إثر انتخابات أيّار 1996، وذلك بعد سقوطه في فخّ عملية «عناقيد الغضب» التي كانت حربا صغيرة على لبنان، أفضت الى «تفاهم نيسان» في مرحلة كان فيها الرئيس الشهيد رفيق الحريري رئيسا لمجلس الوزراء.

بقي بيريس في كلّ وقت عاجزا عن اتخاذ قرارات كبيرة وحاسمة. على سبيل المثال وليس الحصر، أجّل الانتخابات العامة في إسرائيل ستة أشهر بعد اغتيال رابين. لم يدرك أنّ هذا التأجيل سيصبّ في مصلحة نتنياهو المتحالف ضمنا مع قوى «الممانعة» في المنطقة العربية وما هو أبعد من المنطقة العربية، أي مع إيران. عملت إيران وقتذاك مستخدمة أدواتها كلّها، خصوصا العمليات الانتحارية لـ«حماس» من أجل نسف عملية السلام التي انطلقت من أوسلو. صحيح أن بيريس أدى دورا في التوصل إلى اتفاق أوسلو، في العام 1993، إذ كان وزيرا للخارجية في حكومة إسحق رابين، لكنّ الصحيح أيضا أنه لم يعرف يوما كيف يساعد في حمايته عن طريق تشكيل جبهة عريضة تدعم عملية السلام، والإسراع في تحقيق إنجازات على الأرض.

انتهى اتفاق أوسلو مع اغتيال إسحق رابين. بدل أن يجري بيريس انتخابات عامة مباشرة بعد مقتل رئيس الوزراء الإسرائيلي. أخذ كلّ وقته بعدما اطمأن إلى أنه سيخلف رابين في رئاسة الحكومة. لم يستوعب أنّ «الممانعة» ستبذل كلّ جهدها من أجل تأليب المجتمع الإسرائيلي على عملية أوسلو التي اعترض عليها منذ البداية شخص مثل نتنياهو كان يعدّ نفسه لخلافة رابين. راح يتفرّج مكتوفا على تأثير العمليات الانتحارية على المجتمع الإسرائيلي، الذي صار مناهضا كلّيا للسلام من دون أن يستطيع فعل شيء يذكر.

تبيّن مع مرور الوقت أن بيريس لا يصلح لأن يكون قائدا أو زعيما وذلك منذ بداية حياته السياسية. كان جيدا في موقع الرجل الثاني... لكنّه فشل في كلّ مرة كان فيها صاحب القرار. نجح في بناء البرنامج النووي الإسرائيلي في عهد بن غوريون وفي الحصول على الأسلحة المطلوبة من فرنسا في مرحلة ما قبل حرب 1967. كان منفذا جيدا، لكنّه لم يكن يوما سوى ذئب في ثوب حمل يتظاهر فقط بأنّه يعمل من أجل السلام. كان يعمل من أجل السلام بالكلام فقط. أمّا أفعاله كلّها فكانت تصبّ في مصلحة تكريس الاحتلال للقدس وللجزء الأكبر من الضفّة الغربية وذلك تحت شعارات جميلة.

من يعود قليلا إلى الخلف، يتذكّر أنّ معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في العام 1979 كانت نتيجة اتفاق بين الرئيس الراحل أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، بعد الجهود التي بذلها الرئيس جيمي كارتر من أجل التوصل إلى اتفاقية كامب ديفيد في أيلول 1978. حاول بيغن التملّص دائما من أي سلام يعيد إلى مصر أراضيها وثرواتها. ذهب إلى حدّ عمل كلّ ما يمكنه استفزاز السادات إلى أبعد حدود؛ لجعله يتراجع عن رغبته في السلام، لكنّه اتخذ قرارا نهائيا بالانسحاب من الأراضي المصرية المحتلّة عندما وجد أن معالم الصفقة وأطرها واضحة كلّ الوضوح، وأنّ هناك إدارة أمريكية مصمّمة، بكلّ ما لديها من نفوذ، على التوصل إلى توقيع تلك المعاهدة بين إسرائيل وأكبر دولة عربية. 

أمّا اتفاق السلام بين الأردن وإسرائيل، فكان ممكنا في العام 1994 لأنّ الملك حسين، رحمه الله، ورابين كانا مصمّمين على بلوغ هذا الهدف. كان العاهل الأردني في غاية الذكاء عندما أدرك أن هناك فرصة لا تعوض في استعادة الأردن حقوقه في الأرض والمياه. في أساس الفرصة توقيع الفلسطينيين اتفاق أوسلو بمعزل عن الأردن من جهة، ووجود إسحق رابين في موقع رئيس الوزراء من جهة أخرى. عرف الملك حسين دائما أن بيريس شخص لا يمكن التعاطي معه بشكل جدي، وأنّه يقول شيئا ويفعل شيئا آخر، على العكس من رابين الذي كان عدوا يعرف من يتفاوض معه أين يقف الرجل.

يروي ديبلوماسيون غربيون يعرفون تل أبيب جيدا، أن النكتة التي انتشرت في إسرائيل بعد هزيمة بيريس أمام نتنياهو في العام 1996، أن زعيم حزب العمل خاض إحدى العمليات الانتخابية وحيدا... لكنّه حل إثر إعلان النتيجة ثانيا!

لم يكن الذين تعاطوا مع بيريس يثقون به. الملك حسين كان يعتبره مراوغا. كان يضحك على ياسر عرفات وكان ياسر عرفات يضحك عليه. كان مرتاحا في كلّ وقت للنظام السوري الذي أنشأه حافظ الأسد والذي يؤمن مثله بضرورة بقاء المنطقة في حال لا حرب ولا سلام. مثل هذه الحال تؤمن لإسرائيل، إلى يومنا هذا، تكريس أمر واقع على الأرض في القدس والضفة والجولان، وتضمن للنظام السوري البقاء متحكما بمصير السوريين، حتى لو تطلب الأمر الاستعانة بالمليشيات الإيرانية ووحشية فلاديمير بوتين. 

عندما ارتكب الجيش الإسرائيلي مجزرة قانا، في حرب 1996 التي تعرّض لها لبنان تحت تسمية «عناقيد الغضب»، ظهر بيريس على حقيقته. كان يريد الفوز في الانتخابات، بغض النظر عن عدد الضحايا البريئة التي تسقط في لبنان!

لم يكن شمعون بيريس رجل سلام في أيّ وقت، على الرغم من نيله «جائزة نوبل للسلام» في 1994. 

كان يؤمن بمصلحة إسرائيل التي يجدها في استمرار الاحتلال. قال في غير مؤتمر دولي إن الضفّة الغربية «أرض متنازع عليها». كان الوجه الآخر لبنيامين نتانياهو، مع فارق واحد يتمثّل في أنّه لم يستطع يوما ممارسة اللعبة السياسية في الداخل الإسرائيلي وينجح فيها. كان يصلح في كلّ وقت لموقع الرجل الثاني لا أكثر ولا أقلّ. برع في هذا الموقع دائما، منذ أيّام بن غوريون، وفشل في كلّ مرّة كان في الموقع الأوّل.

المستقبل اللبنانية
0
التعليقات (0)