بورتريه

حرائر مصر يستغثن في سجون الموت البطيء (بورتريه)

حرائر مصر
حرائر مصر
حبيسة المعتقل منذ 865 يوما بدون محاكمة بسبب تأسيس ما يعرف باسم "مؤسسة بلادي"، حيث وجهت النيابة العامة لها تهم "تكوين عصابة إجرامية منظمة، لاستقطاب أطفال الشوارع والهاربين من سوء معاملة ذويهم واحتجازهم بالمخالفة للقانون، داخل مقر جمعية بدون ترخيص تسمى "بلادي" بمنطقة عابدين".

معتقلة وزوجها  منذ ما يزيد على عامين، على الرغم من أن القانون المصري حدد فترة الحبس الاحتياطي بما لا يتجاوز العامين.

قبل أيام دعا البيت الأبيض الحكومة المصرية إلى إسقاط جميع التهم المنسوبة للمواطنة المصرية التي تحمل الجنسية الأمريكية، وإطلاق سراحها.

وخرج الصوت الأعلى من جهة المرشحة للانتخابات الرئاسية الأمريكية هيلاري كلينتون، لدى لقائها عبد الفتاح السيسي في نيويورك.

آية حجازي ناشطة مصرية مستقلة قررت أن تساعد  في إيجاد حلول لأزمة "أطفال الشوارع"، فأطلقت مبادرة وطنية  تطوعية تحت اسم "مؤسسة بلادي" من أجل تعليم أطفال الشوارع وإعادة تأهيلهم للتخلص من الإدمان والأزمات النفسية الناتجة عن التحرشات والانتهاكات الجنسية، بمساعدة أطباء متخصصين متطوعين.

أوجع أطفال الشوارع النائمين على أرصفة القاهرة، قلب حجازي الحاصلة على بكالوريوس الحقوق من جامعة "جورج ميسون" الأمريكية، والتي قررت العودة لبلادها بعد ثورة 25 كانون الثاني/ يناير عام 2011، لتحقيق حلمها بتدشين مشروع تنموي يفيد المجتمع.

المشاهد المأساوية، التي ربما باتت لا تلفت أنظار سكان القاهرة، ألهمت حجازي فكرة مشروعها الإنساني، وبالفعل سارعت وزوجها محمد حسنين لإنشاء مؤسسة الجمعية الخيرية "بلادي.. جزيرة الإنسانية"، لمساعدة أطفال الشوارع، وقدمت الفتاة كل الأوراق المطلوبة وحصلت على موافقة من وزارة التضامن الاجتماعي.

لم يجد الزوجان مكانا لمؤسستهما، أفضل من ميدان التحرير، ملاذ أطفال الشوارع، الذين وجدوا أمانا في الاحتماء بالثوار في ليل القاهرة أثناء أحداث الثورة المتعاقبة، واستأجرا شقة هناك، وباتت ملتقى أطفال الشوارع، يدخلون لها وقتما يشاءون، ليتعلموا الموسيقى والفنون، ويُعالجوا من آثار الإدمان والتحرش، ويحتموا من واقعهم المرير.

 إلا أنه بدا لأجهزة النظام العسكري أن ثمة من يعمل خارج إطار الجماعات الموالية لها بالكامل، فاعتقل الزوجان ووضعا في الحبس الاحتياطي في أيار/ مايو عام 2014.

اعتقال الزوجين جاء على إثر إلقاء قوات الشرطة القبض على أحد أطفال الشوارع في ميدان التحرير أثناء مظاهرة، وتعرضه للتعذيب باعتباره أحد المشاركين في الاشتباكات ضد الشرطة، وألقي القبض على أكثر من عشرين من أطفال الشوارع، واقتحمت الشرطة مقر المؤسسة وقبض على آية وزوجها ومجموعة من أصدقائهم المتطوعين.

الشرطة اتهمتهم بـ"الاتجار بالبشر من خلال استغلال الأطفال في تصوير أفلام جنسية، وتشكيل تنظيم سري من أطفال الشوارع لقلب نظام الحكم، واستخدامهم في مؤتمرات وندوات لجمع التبرعات بحجة رعايتهم، واستئجار الأطفال من الجمعية مقابل مبالغ مالية للمشاركة في التظاهرات".

وقضت آية وزوجها ورفاقها طيلة الفترة الماضية قيد الحبس الاحتياطي، لتصبح أسباب تأجيل الجلسات محل انتقادات واسعة من قبل منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي، وفي 21 أيار/ مايو الماضي قررت محكمة جنايات عابدين تأجيل النظر في قضية مؤسسة "بلادي" إلى جلسة 19 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، حتى "تسليم اللجنة الفنية تقريرها عن الأحراز في القضية".

في السجن، لم تتوقف آية عن نشاطها، وتقول والدتها إنها تعمل على محو أمية بعض السجينات، وتكتب قصص المظلومات من بينهن، وبالإضافة إلى ذلك، تهتم بثقافتها الشخصية، فتداوم على القراءة في مكتبة السجن، وهي تتعلم اللغة الإسبانية من سجينة بوليفية.

حكاية آية حجازي ليست كل الحكاية، فثمة نحو 60 ألف مصري اعتقلوا بعد الانقلاب العسكري، بحسب  "منظمة العفو الدولية" ومعهم مئات من حالات الاختفاء القسري لأشخاص يعتقد إما أنهم قتلوا أو أنهم معتقلون في ظروف قاسية ويخضعون للتعذيب الممنهج، دون تهم أو محاكمات.

وكانت الولايات المتحدة تواصلت في السابق مع الحكومة المصرية في أيار/ مايو عام 2015، للإفراج عن مواطن مصري يحمل الجنسية الأمريكية وسجن لشهور في مصر بتهم مختلفة، هو محمد سلطان، نجل صلاح سلطان أحد أبرز قيادات جماعة "الإخوان المسلمين" الذي يقضي عقوبة السجن حاليا في مصر بسبب اتهامات متعددة.

وكان محمد سلطان محبوسا على ذمة اتهامات بنشر أخبار كاذبة لكنه تنازل عن جنسيته المصرية في ما اعتبره البعض صفقة مع الجانب الأمريكي لإطلاق سراحه.

وفيما لا يجد باقي المعتقلين من يتحدث عنهم ويضغط باتجاه إطلاق سراحهم لأنهم لا يحملون الجنسية الأمريكية، تؤكد عضو "الائتلاف الأوروبي من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان" داليا أحمد، أنه تم توثيق عدد من الانتهاكات وحالات الاغتصاب ضد المعتقلات في السجون المصرية، حيث تم تعليق إحدى المعتقلات عارية وتحرش بها كل رجال الشرطة داخل المركز الأمني، في حين تم إجبار بعضهن على مشاهدة فيديوهات إباحية.

وقالت: "إن بعض البنات تم مسح أرضية السجن بأجسادهن العارية"، مؤكدة "أن حالات الاغتصاب ينفذها ضباط ورجال شرطة بصفة جماعية، وبمعرفة المسؤولين عن المراكز الأمنية المتهمة".

وأوضحت أن عددا من المحامين اتصلوا بالائتلاف وتحدثوا عن تفاصيل خطيرة، مبينة أن البنات يخفن من تقديم شكاوى بخصوص ما تعرضن له داخل أقسام الشرطة خوفا من الفضيحة والتعقيدات الاجتماعية، وتفاديا من أن يتعرضن للانتقام من ضباط الشرطة.

ودعا "الائتلاف الأوروبي لحقوق الإنسان" من العاصمة السويسرية جنيف في بيان، في كانون الثاني/ يناير الماضي، الهيئات الدولية ذات الصلة الحقوقية إلى تحمل مسؤولياتها القانونية والإنسانية والأخلاقية تجاه ما يحدث داخل السجون المصرية من تعديات على القوانين الدولية والمعاهدات التي وقعت عليها الدولة المصرية وحملت النظام المصري الحالي مسؤولية نتائج هذه الانتهاكات.

وقالت مصادر داخل "التحالف الوطني لدعم الشرعية" بمصر إنها وثقت 54 حالة اغتصاب لفتيات داخل مقار الاحتجاز، في حين نفى مصدر أمني ذلك.

من جانبها، أعلنت حركات نسائية ومنظمات حقوقية محلية ودولية؛ تضامنها مع حملة "البنات لازم تخرج"، للمطالبة بالإفراج عن عشرات الفتيات والنساء المعتقلات في سجون الانقلاب في مصر منذ أكثر من سنتين.

وأكدت منظمة "هيومان رايتس مونيتور"، ومقرها لندن، أنها تشارك في تلك الحملة بالترويج لها في الخارج.

وقالت مسؤولة الملف المصري في المنظمة، سلمى أشرف: "ندعم كل الحملات المطالبة بالإفراج عن الفتيات في السجون المصرية، في قضايا مسيسة، دون وجه حق، وبتهم ملفقة".

فيما تقول "المنظمة العربية لحقوق الإنسان" ومقرها في بريطانيا، إنها وثقت سابقا عددا كبيرا من حالات تعذيب وتحرش بنساء تم اعتقالهن بعد الثالث من تموز/ يوليو عام 2013، على يد قوات الأمن أثناء التحقيق "وما زال هذا النهج مستمرا حتى هذا اليوم في مقرات الاعتقال"، بحسب "المنظمة العربية".

وكشف المحامي في "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات"، أسامة ناصف عن وجود 41 فتاة داخل سجون سلطات الانقلاب العسكري، و13 مختفية قسريا على يد قوات الأمن.

وأوضح ناصف في مؤتمر صحافي عقد تحت عنوان "السجون المصرية والموت بالبطيء"، أن الانتهاكات الموجودة في السجون تتمثل في الحرمان من الرعاية الصحية، بداية من إدخال الأدوية وحتى إجراء العمليات، مشيرا إلى أن السجون لا تسمح بإدخال المساعدات الطبية كالكراسي المتحركة والعكازات.

ولا يوجد رقم معترف به رسميا من قبل الحكومة المصرية لأعداد المعتقلات، لكن المنظمات الحقوقية الدولية تؤكد أن الرقم لا يقل عن 55 فتاة وسيدة اعتقلن دون تهم ويعاملن في السجون المصرية بطريقة تخلو من أي احترام للإنسان، من قبل رجال شرطة يمتلكون عقلية سادية، وفقا لشهادات عديدة وثقتها المنظمات الدولية لانتهاكات بشعة لهن.

وكشف "التحالف الثوري لنساء مصر"، أن عدد الفتيات المعتقلات في السجون المصرية بلغ 56 معتقلة، موزعات على محافظات الجمهورية، وقال إن أكثر من 115 سيدة قتلن لمطالبتهن بالحرية والكرامة.. وأن عدد اللواتي اعتقلن هو أكثر من 2000 مصرية منذ الانقلاب العسكري، دون سند قانوني، تم الإفراج عنهن جميعا، وما زال أكثر من 56 معتقلة منهن في سجون الانقلاب.. وأن ثمة أكثر من 27 حالة اختفاء قسري في مخالفة صريحة لكل القوانين والأعراف الدولية.

ولا تقتصر جنسية المعتقلات على مصر؛ فقد وثقت حالات اعتقال واختفاء قصري لفتيات من سوريا وفلسطين وفتيات من جنسيات أجنبية، بتهم ملفقة ودون محاكمة.

حرائر مصريات وعربيات يتعرضن لأبشع أنواع "جرائم الحرب" يحاولن إسماع صوتهن للعالم، وكشف جرائم نظام عسكري لا يقيم وزنا للإنسان، وهو ما دفع عددا من المعتقلات إلى توجيه نداء استغاثة، وكان من بينهن آية حجازي التي كتبت رسالة من محبسها، راجية الجميع: "لا تتركونا هنا في السجون وتنسونا، ولا تجعلونا نفقد الأمل في العدل والإنسانية".

رسالة موجعة تتحدث عن حرائر يعشن "الموت البطيء" بكل معانيه.
التعليقات (0)