مقالات مختارة

ما بعد إسقاط الطائرة الروسية

أيمن خالد
1300x600
1300x600
سوف تجتمع الدبلوماسية الثنائية بين تركيا وروسيا، ومن بعدها الدبلوماسية الدولية، وسيغلق ملف الطائرة الروسية التي سقطت في أوحال الأزمة السورية، لكن ما بعد هذه الحادثة، علينا أن نقرأ صورة المشهد العالمي وكيف سيكون المشهد السياسي القادم.

سوف نجد أن الأمم المتحدة ستكون غائبة تماما في المشهد القادم، وأهمية هذا الكلام، أن منظومة الهيمنة السياسية التي بنتها الدول العظمى بعد الحرب الكونية الثانية سوف تبدأ بالتلاشي، وسيكون حل مجمل القضايا المركزية بين الدول وبين شعوب المنطقة، من خلال التحالفات الجديدة، التي تفرضها الجغرافيا على الأرض، وهنا تبرز مركزية تركيا، ودورها في إعادة تهيئة عوامل الاستقرار لشعوب شرق المتوسط، ما سيرفع من دورها، من دولة كانت معنية بالجغرافيا السياسية الخاصة بحدودها، إلى دولة مركزية، معنية بترتيب جغرافيا العالم القديم، وهو الشرق الأوسط وامتداداته.

جوهر الأزمة اليوم، هو تماما جوهر الأزمة بالأمس، فالدول العظمى حاولت في الماضي منع قيام دولة مركزية شرق المتوسط، وأوجدت إسرائيل، لكي تتمدد وتصبح أكبر شيئا فشيئا، ولكن إسرائيل فشلت في تحقيق هذه المعادلة، لأن نظريات الاستعمار القديمة التي كانت تقوم على امتلاك عنصر القوة لم تعد ممكنة لتحقيق أهدافها اليوم، من هنا أصبحت الأزمة السورية، ومطالبة شعوب المنطقة بحرياتها هي العقبة الحقيقية في وجه هذه القوى الدولية، وهنا أصبحت فكرة تقسيم سوريا، وأضعاف المنطقة بالكامل لا تمر إلا من خلال إضعاف تركيا ذاتها، لأن تركيا كقوة إقليمية هامة، بينها وبين شعوب المنطقة تجانس كامل، فأصبحت الأزمة السورية في نظر أمريكا وحلفائها، تعني لهم بالدرجة الأساسية تركيا ذاتها، لأنه لا يمكن إضعاف كامل المنطقة، وبقائها تحت الهيمنة، وهناك قوة إقليمية واعية ومهمة تحاول أن تنهض بهذه المنطقة والتي هي تركيا.

في مسألة الوضع الداخلي السوري، أعتقد أن مستقبل الروس في المنطقة، أنهم عمليا لا يعملون بمعزل عن الرغبة الأمريكية، ويضاف إليهم تهديد حزب العمال الإرهابي، وغيره من المنظمات الكردية، التي انتشرت في الشمال السوري، وتحاول أمريكا الآن إكسابها الشرعية، من خلال تغيير أسمائها، ومنحها أسماء جديدة. لذلك بعد الرد التركي على انتهاك الطائرة، سيتحول المشهد السوري بشكل مختلف، وستنتقل أمريكا إلى الخطة – ب- والتي تعني تشكيل حزام أمني في جنوب سوريا، بمعنى أن الحرب ستنتقل إلى الجنوب والجنوب الغربي السوري، في كل من محافظة القنيطرة ودرعا، من أجل تأمين حدود إسرائيل حيث الهدف هو دفع المعارضة السورية الموجودة هناك للرحيل إلى الشرق نحو المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة في جنوب شرق سوريا، من أجل التقاتل مع بعضهم البعض ما يؤجل بقاء الأسد.

 اليوم العديد من الدول الأوربية بدأت تدرك أن مخطط إضعاف تركيا يعني انتقال ملايين المهاجرين إلى أوروبا، وبتقديري أن هناك إحساسا داخليا لدى بعض الدول الأوربية مفاده أن إنجلترا وأمريكا لا تكترثان لأزمة اللاجئين في أوربا، خصوصا وأنهما دولتان وراء البحار، مما يعني أن مستقبل القرار الأوروبي لن يكون واحدا، وستكون هناك انقسامات سياسية في المنظومة الغربية بسبب الأزمة السورية. فليست هناك أزمة سياسية خاصة بسوريا وحدها، ولكن هناك مشروع بدأت فيه معظم الدول العظمى، ويهدف إلى تغيير خرائط منطقة شرق المتوسط، بما فيها تركيا، وهو مشروع عالمي بامتياز، وربما تكون قضايا اللاجئين هي المعادلة التي ستغير قوانين اللعبة، وهذا، ما يبدو، لم يكن محسوبا لديهم.





0
التعليقات (0)