إن الكرملين لن يخاطر بعملية عسكرية في إدلب من شأنها أن تقرب تركيا من الولايات المتحدة على الأقل في الأمد القريب وقبل استكمال تركيا عمليتها في تفكيك "هيئة تحرير الشام"..
إذا كان مسار "أستانا" قد حظي بدعم أمريكي وأوروبي وأممي لوضع حد للفوضى العسكرية التي عمت الجغرافيا السورية، فإن التحرك الدبلوماسي الروسي المكثف على المستويين الإقليمي والدولي حيال اللاجئين لا يبدو أنه يحظى بدعم هذه الأطراف..
الهدف الأمريكي هو القضاء على مكانة سورية الإقليمية التي شكلت معبرا جيواستراتيجيا في المنطقة، وبعدما تحقق هذا الهدف لا بد من استمرار سوريا ضعيفة، وهذا لا يكون بقيام نظام ديمقراطي يعيد إنتاج الدولة والمجتمع، وإنما باستمرار السلطة الشمولية..
مع انتهاء العمليات العسكرية الكبرى تقريبا في سورية وعودة مناطق خفض التصعيد إلى هيمنة النظام السوري، تسعى روسيا إلى استكمال خطتها في إعادة تأهيل النظام على المستوى الإقليمي والدولي بعدما نجحت في تأهيله محليا على الصعيد العسكري.
منذ انطلاق مسار استانا مطلع العام الماضي، نجحت روسيا في إدارة التناقضات المحلية والإقليمية للأزمة السورية، فكانت وما زالت بمثابة المايسترو القادر على ضبط إيقاع ألحان القوى المحلية والإقليمية.
بدأت الثورة الإنكليزية عام 1688 بعزل الملك جيمس الثاني وتنصيب ابنته ماري وزوجها وليام أورانج ملك هولندا، وانتهت في العام التالي بإعلان الحقوق الذي بموجبه لم يعد الملك قادرا على تعليق القوانين وفرض الضرائب وتشريع القوانين بمفرده.
بسبب قوة الملكية المطلقة التي بلغت ذروتها مع هنري الرابع ولويس الرابع عشر والسادس عشر، لم يكن في فرنسا مؤسسات قابلة للحياة رغم بنيتها البيروقراطية القوية، ولا طبقة نبلاء وبرلمان قادرين على مواجهة الحكم الملكي المطلق.
كثيرة هي التصريحات الروسية والإسرائيلية، سواء الرسمية منها أو الإعلامية، التي تتحدث عن مستقبل الجنوب السوري (درعا، القنيطرة)، وسط صمت أمريكي مقصود، وصمت أردني لا تُعرف أسبابه.
مع تقليص النفوذ الاستراتيجي لـ "تنظيم الدولة الإسلامية" وتحويل محافظة إدلب إلى ساحة تجمع لعدد من الفصائل من جهة، وانخراط عدد من فصائل "الجيش الحر" في الاستراتيجية التركية من جهة ثانية.
اختلف الكثيرون حول طبيعة الضربة الأمريكية للمقرات عسكرية تابعة للنظام السوري، بين من اعتبرها رسالة قوية لروسيا وبين من اعتبرها ضربة محدودة لحفظ ماء وجه ترامب، فيما ذهب موالون للمحور الإيراني السوري بأنها ضربة لا قيمة لها من الناحية الاستراتيجية ولا تغير في موازين القوى القائمة على الأرض.
ما أن انطلقت العملية العسكرية لـ"الجيش الحر" والجيش التركي في عفرين، حتى بدأت وسائل إعلام عربية وكتاب عرب وسوريين بشن هجوم على التدخل التركي، مرة تحت عنوان رفض أي تدخل خارجي في سورية، ومرة أخرى تحت عنوان أيديولوجي دوغماتي "استعادة أمجاد الدولة العثمانية".
تشهد العلاقات الأمريكية الروسية في الآونة الأخيرة تصعيدا كبيرا عنوانه الغوطة الشرقية، ووصل الأمر إلى حد إعلان المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي نيكي هايلي أن "الولايات المتحدة مستعدة للتحرك في سوريا إذا تعين ذلك"، وأنه "عندما يتقاعس مجلس الأمن عن التحرك فهناك أوقات تضطر فيها الدول للتحرك بنفسه