قضايا وآراء

المقاومة الفلسطينية والصراع الحضاري مع الغرب

محسن النويشي
المضيء في هذه المرحلة المتقدمة من الصراع هو الدعم الذي تجده المقاومة من حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والمقاومة العراقية- (الأناضول)
المضيء في هذه المرحلة المتقدمة من الصراع هو الدعم الذي تجده المقاومة من حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والمقاومة العراقية- (الأناضول)
لا تزال المقاومة الفلسطينية الطوفانية تخوض صراعها المرير ضد الكيان الصهيوني الغاصب وداعميه من القوى الدولية وتوابعها الإقليمية من أجل تحرير  بيت المقدس وأكنافه.

وقد أثبتت الأحداث أن المعركة في فلسطين ذات عمق حضاري وليست معركة وطنية من أجل التحرير فقط، لاعتبارات كثيرة أهمها أن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني لفلسطين هو آخر استعمار مباشر في العصر الحديث مع اختلافه عن أمثاله في السردية التي انبنى عليها والتي احتوت مزيجا تاريخيا ودينيا وسياسيا هجينا تؤكد الوقائع الثابتة والعقائد الدينية الراسخة والحقائق الجغرافية القائمة مدى هشاشته وعدم قدرته على ضمان استمرارية الكيان.

واختلافه كاستعمار أيضا من حيث الدوافع باعتباره نوعا من التكفير عن عقدة ذنب لدى أوروبا تجاه اليهود ليس للفلسطينيين ولا للمسلمين فيها ناقة ولا جمل كما يقال .

وباعتباره أيضا نقطة علو وتفوق حضاري غربي على الأمة الإسلامية التي قادت الإنسانية لقرون حققت خلالها التعاون والتعارف والتعايش والأمن والاستقرار والازدهار  .

لقد تعددت المقاربات والشعارات حول تحرير فلسطين لتنتهي في الأخير إلى تراجعات وتقهقر ومزيد من الخنوع والخضوع منذ النكبة وحرب 1948 إلى حرب 1967 ثم حرب 1973 التي تحولت من انتصار عسكري إلى هزيمة سياسية تتوجت باتفاقية كامب ديفيد سنة 1979 التي تمكن الكيان الصهيوني من خلالها من تحييد مصر عن دائرة الصراع وإحداث فراغ استراتيجي أدى إلى اختلال دائم في ميزان القوى عدلته إيران نسبيا بتبنيها خيار المقاومة وتكوين محور الممانعة ودعم كفاح الشعب الفلسطيني.

أثبتت الأحداث طيلة سبعة أشهر مدى استعداد المقاومة وحنكة قيادتها وقدرتهاعلى التقدير والتدبيروالتخطيط والبرمجة ومراكمة التجربة والخبرات العسكرية والسياسية الحاصلة خلال مسيرة الكفاح الطويلة للشعب الفلسطيني بكل مكوناته ونجاحها في بناء الإنسان القادر على تحمل أعباء القضية وبناء وحدة المقاومة وحاضنتها الاجتماعية الصابرة والمرابطة والحامية لها.
ورغم ما تحدثه الحرب المجنونة التي يشنها الكيان الصهيوني على الفلسطينيين العزل من أبناء غزة أساسا والضفة والقدس دون سقف ولا رادع قانوني دولي أو إنساني أو ديني أو عقلاني ثأرا لكرامته العسكرية والسياسية المهدورة، فقد أثبتت الأحداث طيلة سبعة أشهر مدى استعداد المقاومة وحنكة قيادتها  وقدرتهاعلى التقدير والتدبيروالتخطيط والبرمجة ومراكمة التجربة والخبرات العسكرية والسياسية الحاصلة خلال مسيرة الكفاح الطويلة للشعب الفلسطيني بكل مكوناته ونجاحها في بناء الإنسان القادر على تحمل أعباء القضية وبناء وحدة المقاومة وحاضنتها الاجتماعية الصابرة والمرابطة والحامية لها.

أما في المستوى الإقليمي فقد أحدث الصراع الدائر في المنطقة تمايزا واضحا بين خط المقاومة دولا وشعوبا وجماعات مسلحة وبين خط الخضوع والاستسلام والتواطؤ مع الكيان الغاصب وأسقط آخر أوراق التوت عن كل المتاجرين بالقضية الفلسطينية وكذا الأمر بالنسبة للغرب الذي عرته أحداث غزة وأحدثت رجة كبرى في وعي شعوبه في علاقة بالقيم والمبادىء التي انبنت عليها حضارته وحصل ويحصل بموجبها صحوة ضمير كبرى سيتحدد من خلالها مصير دول وحكومات وسياسيين مثل الرئيس الأمريكي الحالي وغيره ممن ساندوا الإبادة الجماعية للفلسطينيين. وتتجسد الصحوة الآن في ثورة طلاب الجامعات التي انطلقت في أمريكا وأخذت تتسع رقعتها إلى دول أخرى لتعمق أزمة القيم والمبادىء الغربية وتؤشر على اتجاه التحولات المستقبلية في تلك المجتمعات وعلى بداية نهاية الصهيونية كحركة معادية للسامية الحقيقية وللإنسانية رغم انحياز الأنظمة لها بممارسة القمع وإصدار القوانين الزجرية مثل قانون توسيع المفهوم الصهيوني لمعاداة السامية وغيرها.

لقد مثلت معركة طوفان الأقصى نقطة تحول حضاري للأمة العربية الإسلامية على طريق استئناف دورها الريادي المفقود وضوءا في آخر نفق الهيمنة الغربية وتجزئة الأمة ووهن أنظمتها واستسلامها وبداية تعديل نوعي في ميزان القوى لصالح الأمة في ظل حالة من الانهيار والتفكك الرسمي العربي أتاحت للمقاومة الفلسطينية فرصة تدبر أمرها باستقلالية في علاقة ببناء ذاتها وارتباطها بمحور الممانعة في المنطقة الذي كان نقيضا لما سمي بمحور السلام.

لقد حصل التحول بعد سلسلة من الانكسارات والتراجعات للكيان الصهيوني في العقدين الأخيرين منذ الانسحاب من جنوب لبنان الذي كان بداية العد التنازلي للعلو الإسرائلي الثاني بعد أن بلغ أوجه باجتياح لبنان سنة 1982 واستبعاد المقاومة الفلسطينية منها إلى الشتات العربي وقد بات اليوم عاجزا عن تحقيق أي منجز أو هدف من أهدافه التي أعلنها رغم سعي كافليه وتابعيهم لتمكينه من ذلك عبر التفاوض.

وفي خلاصة فإن العناصر  الدالة على بداية التحول الحضاري للأمة يمكن إيجازها فيما يلي:

1 ـ تهرم الكيان الصهيوني بسبب التفكك المجتمعي الناتج عن الترف والبذخ واستشراء الفساد والإفساد ومظاهر الهجرة العكسية. وبسبب ضعف القيادة من حيث الكاريزما والقدوة والقدرة على التقدير والتدبير مقارنة بأجيال تأسيس الكيان ثم بسبب اهتزاز الروح المعنوية للجيش وعجزه في أكثر من مناسبة عن تحقيق أهدافه العسكرية إضافة إلى ارتخاء قبضة القوى الدولية الحاضنة له وتراجعها في أكثر من موقع مع تحول مهم وملحوظ للرأي العام الشعبي خاصة الشبابي منه في البلدان الغربية  لصالح عدالة القضية الفلسطينية.

مثلت معركة طوفان الأقصى نقطة تحول حضاري للأمة العربية الإسلامية على طريق استئناف دورها الريادي المفقود وضوءا في آخر نفق الهيمنة الغربية وتجزئة الأمة ووهن أنظمتها واستسلامها وبداية تعديل نوعي في ميزان القوى لصالح الأمة في ظل حالة من الانهيار والتفكك الرسمي العربي أتاحت للمقاومة الفلسطينية فرصة تدبر أمرها باستقلالية في علاقة ببناء ذاتها وارتباطها بمحور الممانعة في المنطقة الذي كان نقيضا لما سمي بمحور السلام.
2 ـ صمود غزة شعبا ومقاومة بعد مرور أربعين سنة عن اجتياح بيروت بالاعتماد على ثوار جيل الثبات بعد انقراض ثوار جيل الشتات والتيه الفكري والسياسي رغم شراسة العدوان مع القدرة المتواصلة على إيلام العدو والتمسك بحق الشعب الفلسطيني في المفاوضات وبمطالبه المشروعة وبوحدة القضية الفلسطينية في غزة والضفة والقدس دون مساومات أو تنازلات. والمضيء في هذه المرحلة المتقدمة من الصراع هو الدعم الذي تجده المقاومة من حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والمقاومة العراقية.

3 ـ وهن الأمة العربية الإسلامية الذي يتمظهر فيما وقع فرضه عليها من تجزئة وتأبيد للتنازع والصراع بين أجزائها حول قضايا حدوديية وعرقية وطائفية مفتعلة وإجهاض أي مشروع للوحدة أو التنسيق والتعاون مع إلحاق كل الأجزاء بالقوى الغربية عبر أنظمة الحكم الخانعة والموالية.

وقد ازدادت الحالة تفاقما بإمضاء اتفاقيات التطبيع في إطار ما سمي بمشروع الشرق الأوسط الكبير ثم صفقة القرن والسلام الإبراهيمي والتي تهدف جميعها إلى إخضاع الأمة شعوبا وتاريخا ومقدرات ومقدسات إلى الكيان الصهيوني وجعله القوة الأهم في المنطقة بمزيد تجزئة المجزأ وتقسيم المقسم، حيث بات حال الأمة اليوم إما دولا فاشلة تعصف بها الصراعات والحروب الأهلية أو مطبعة لا تخجل من التآمر على المقاومة الفلسطينية وتزويد الكيان بالسلاح وباحتياجاته من المواد الغذائية وغيرها.

وبكلمة فإن هذه العناصر رغم ما فيها من ألم ووهن وضعف وترهل وخسائر مادية فإنها تحمل في طياتها مؤشرات بداية التحول الحضاري ومبشرات تحرير فلسطين بالنموذج الذي تقدمه المقاومة في المنطقة للشعوب في سياق إقليمي ودولي مختلف عما سبقه. إضافة إلى ما يسري على الكيان الصهوني من سنن تاريخية لا راد لمفعولها جعلته في حالة تهرم مع ارتخاء قبضة داعميه الدوليين وبمزيد ضعف الكيانات التجزئية في المنطقة وعدم قدرتها على إخضاع شعوبها خاصة وأن تاريخ الأمة وكل الشعوب الحرة يعلمنا أن التحولات الاستراتيجية وبداية النهوض الحضاري وتحرير فلسطنين التي بارك الله فيها للعالمين قد حصلت في ظروف مشابهة.

*كاتب وناشط سياسي تونسي
التعليقات (0)