في سياق كل ما هو حادث اليوم في المشهد السياسي في السودان وما سيحدث حتما في المستقبل القريب سيكون الخاسر الأكبر هو حمدوك الذي ضيعه العسكر بتوريطه في نهجهم الانقلابي، وأضاع نفسه بأن رضي بأن يكون أداة في يد العسكر..
عاد حمدوك إلى منصبه بعد التوقيع مع البرهان على اتفاق إطاري هو في جوهره نفس بيان الانقلاب محفوفا ببعض الرتوش التجميلية، وليس فيه إشارة لدور القوى المدنية في الحكم، لأنه يعطي مجلس السيادة الذي أعاد البرهان تشكيله صلاحيات الحل والعقد، بينما غابت الإشارة لصلاحيات رئيس الوزراء..
منذ أن وضع توقيعه على البيان / الاتفاق/ الإعلان، وحمدوك حريص على الظهور في العديد من شبكات التلفزة لتبرير ما أقدم عليه، وأول مبرر يردده هو "حقن الدماء"، وهو أمر ليس في يده، بل في يد العسكر الذين أثبتت الوقائع أن أيديهم تبادر باللجوء إلى زناد البندقية..
تسيل الدماء في شوارع مدن السودان الكبرى والبرهان بعد مجرد "مشروع ديكتاتور"، وهو يحسب ـ بسبب السذاجة السياسية ـ أن ذلك كفيل بردع الخصوم، بينما المواطن العادي يتساءل: إذا كان الرجل قد قتل 32 شخصا في الأيام الـ 23 الأولى من حكمه فما هو فاعل عندما يحكم لـ 23 أسبوعا أو شهرا ـ لا قدَّر الله؟
اجتماع العي والغي عند الانقلابيين يصبح حديثهم عن كفالة الحريات والديمقراطية ضربا من الديماغوجية، فكيف ينفي البرهان عن نفسه شبهة الانقلاب، وقد صار جهاز الاستخبارات العسكرية يقوم بمهام الشرطة، وصار كل من يعارض الانقلاب يساق للاستجواب أمام النيابة العسكرية؟
يبدو أن البرهان وصل مرحلة "طارت السكرة وجاءت الفكرة"، لأنه يسعى جاهدا من خلال وسطاء إلى إقناع حمدوك بتشكيل حكومة جديدة، ويفوت عليه أن الرهينة لا يبرم الصفقات مع مختطفه، رغم استعصام البرهان المستمر بسلاح البهتان بالزعم أن حمدوك حر طليق..
لا بد عند استعراض سيرة ومسيرة البرهان خلال العامين ونيف الماضيين من استحضار ما قاله في أول حوار صحفي له بعد جلوسه على كرسي ابن عوف رئيسا لمجلس عسكري سعى للانفراد بالحكم، ولو على جماجم من جعلوا ذلك ممكنا: والدي رأى في المنام أنه سيكون لي شأن عظيم في البلاد!!
لم يكن البرهان يحظى بسند شعبي ذي وزن منذ أن جلس على كرسي رئاسة مجلس السيادة، وبانقلاب يوم الاثنين الماضي يكون قد شرع في السقوط العمودي المتسارع، فقوى الثورة التي أسقطت نظام عمر البشير الأكثر عتوّاً وقوة من أي نظام قد يحاول البرهان إنشاءه
مع أن أهل العلم الطبي يقولون إن كثيرا من الأدوية يظل فعالا بعد مدد متفاوتة الطول من تواريخ صلاحيتها، إلا أن المواطن ـ المستهلك العادي يظل من باب إيثار السلامة "يحترم" ضوابط استخدامها بما في ذلك التخلص منها وفق ما تنص عليه ديباجاتها..
ظل البرهان طوال الأيام القليلة الماضية في حال طواف شبه يومي على الوحدات العسكرية مخاطبا الجند في شؤون الحكم والسياسة، ومراقبو المشهد السوداني محقون إذا اعتبروا ذلك حملة لـ"التعبئة العامة" إعدادا لنقلة تجعله ومعه جنرالات مجلس السيادة الكل في الكل..
منذ شهور والأوضاع الأمنية في السودان وخصوصا في عاصمته شديدة الاضطراب، وافتقد الناس الأمن والأمان حتى في بيوتهم، ثم تفجرت الأوضاع في شرق السودان وقطع رجال قبائل هناك الطريق الذي يربط ميناء السودان الوحيد ببقية أنحاء القطر..
القادة الغوغائيون، وفي كل بلد وملة ونحلة يميلون لارتجال الخطب، لأنهم عندها يندفعون بلا كوابح، ويتجاوبون مع "جمهورهم" في غياب نص يقيد حركة ألسنتهم، بل ولوحظ أن البرهان كان يرتجل خطبه ويلوح بإصبع السبابة غاضبا في وجوه الأعداء (المدنيين)، ثم يطبطب على ظهور الجند..
خلال الساعات التي تلت انكشاف أمر الانقلاب لم يفتح الله على أي من العسكريين بجملة مفيدة عما حدث بالضبط، بل لم تصدر عن البرهان أو غيره إدانة صريحة أو كلمة غاضبة عن الذين حاولوا أن يقوضوا حكومة يجلس هو على رأس هرمها،
ظل تاريخ يوم مولدي نسيا منسيا لا أحفل به ولا يحفل به أحد من أفراد عائلتي إلى ما بعد دخولي الحياة العملية معلما في المرحلة الثانوية، عندما تم ترشيحي لبعثة دراسية في بريطانيا، وحسبت وقتها أن ليلة القدر غشيتني وأنا غير مدرك لذلك..
مبدأ أن "الأعمال بالنيات" الذي تعمل به لجنة جائزة نوبل، تجلى قبل صعود نجم آبي أحمد، في منح جائزة السلام للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، وكان ذلك بعد أشهر قليلة من توليه مهام منصبه، ولم يكن العالم يعرف عنه وقتها سوى أنه خطيب مفوه..
الغربيون لوثوا الأرض والفضاء بمصانعهم وتسببوا في ظاهرة التغير المناخي، ويريدون من الشعوب الفقيرة دفع الفاتورة، بألا تكون الزيادة السكانية الكونية خلال الـ30 سنة المقبلة أكثر من بليون نسمة..