كتاب عربي 21

ضد دين واحد هو الإسلام!

سليم عزوز
"ليس من بين الذين تشكلت منهم حركة "تكوين" عالم واحد له باع في التخصص المطلوب للإصلاح الديني"- إكس
"ليس من بين الذين تشكلت منهم حركة "تكوين" عالم واحد له باع في التخصص المطلوب للإصلاح الديني"- إكس
ليس مشروعا للإصلاح الديني بالأساس، ولكنه توجه للتحرش بالإسلام في المقام الأول والأخير، ترعاه السلطة في هذه المرة ويدعمه الإقليم، الذي اختلطت لديه الأشياء فلم يميز بين الدين والإسلام السياسي، ولم يستهدف خلق حالة من التدين المسالم غير المهدد للأنظمة، ولكن اعتمد سياسة "كيد النساء"، حتى وإن حشد الجماهير في الجبهة الأخرى المعادية لهذا التوجه!

ولهذا فإن كثيرين ممن أخذوا على عاتقهم الهجوم على هذا التوجه، ليسوا من المنتمين لتيار الإسلام السياسي، ولكنهم من الليبراليين واليسار الوطني، وممن لهم موقف معارض للتيار الديني، وهم يرون ما يحدث ويقع تحت حماية السلطة المستبدة، والإقليم الرجعي، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا!

ليس من بين الذين تشكلت منهم حركة "تكوين" عالم واحد له باع في التخصص المطلوب للإصلاح الديني، ومجال إنكار السنة عرف أزهريا عبر شيخ ما يسمى بـ"القرآنيين" الدكتور أحمد صبحي منصور، أستاذ التاريخ السابق بجامعة الأزهر، والذي طارده الحكم الاستبدادي حتى استقر به المطاف لاجئا في بداية الأمر في الولايات المتحدة الأمريكية. وهو يؤخذ من كلامه ويرد، لكنه في الأخير يقول رأيا جديرا بالمناقشة، غير هؤلاء الهواة الذين عندما يحشرون في الزاوية يفرشون الملاية، في خناقات الحواري!

ما هو جدير بالملاحظة، أن هذه الحركات موجهة ضد دين واحد، هو الإسلام، وكأن الديانات الأخرى في اجتهاداتها وطقوسها ليس فيها ما يستحق التوقف، وهم ينادون بالعلمانية، التي لا شأن للإسلام بها، لكنها كانت ضد الكنيسة

ومهما يكن فإن ما هو جدير بالملاحظة، أن هذه الحركات موجهة ضد دين واحد، هو الإسلام، وكأن الديانات الأخرى في اجتهاداتها وطقوسها ليس فيها ما يستحق التوقف، وهم ينادون بالعلمانية، التي لا شأن للإسلام بها، لكنها كانت ضد الكنيسة ومن أحد رموزها هو مارتن لوثر، والذي كان قسا في الأصل، ولم يكن عاطلا يتسكع على مقاهي المثقفين. فلا شأن للإسلام بالعلمانية التي لم تكن في مواجهته أصلا، ويستلفت الانتباه عندما نشاهد قسا إنجيليا ضمن فرقة "تكوين" التي تستهدف الإصلاح الإسلامي، في حين أن كنيسته كانت ضد المسيحية الأصولية، لكنه هنا لا يجرؤ أن يوجه أفكاره في اتجاه الآباء المؤسسين، وقد صار الإسلام في بلد الأزهر هو "الحيطة المايلة"، لنأتي إلى بيت القصيد!

اللحظة الفارقة:

فمثل يوسف زيدان، كمثل القمني، مع فارق في الدرجة، فالأخير قام توجهه بحسب مقولة الملحدين القدماء "ولعت هاشم بالملك.. فلا خبر جاء ولا وحي نزل"، وهو ينكر الأديان جميعها، لكنه مر بلحظة فارقة في حياته، كنت طرفا فيها، جعلته يركز على الإسلام فقط، بل ويكون جزءا من حسابات رموز مسيحية بعينها، لدرجة أنه عندما ألف فيلما تم استهدافه بالاغتيال، وفرّ إلى الخارج وعاش في كنفهم، لكنهم لم يجزلوا له العطاء، أو قل إن ما انتظره كان أقل مما يتوقعه، فعاد مرة أخرى للقاهرة، ليموت على سريره، فلا أحد استهدفه، ولا أحد تربص به لاغتياله، وهو ما قررتُه مبكرا في كتابي "شر البلية.. في السياسة والذي منه"، والذي نفد من الأسواق عقب صدوره، ولا توجد نسخة إلكترونية منه، حتى لا يقال إنني كالذي ينعى ابنه ويصلح ساعات!

الواقعة التي وردت في الكتاب الصادر في سنة (2009)، كانت عندما دُعي سيد القمني لمحاضرة في الجمعية المصرية للتنوير، ولأن مشروعه يقوم على أنه لا خبر جاء ولا وحي نزل، فقد بدأ بالهجوم على التراث الإسلامي وأمسك بالشيخ الشعراوي هجوما وسخرية، وسط سعادة الحضور وابتهاجهم. وقد تبادلنا أنا وأحد الشباب الليبراليين (لا أعرف الآن أين أراضيه) وقتئذ الرد عليه، وبدأت الصدور تضيق بنا ذرعا فاكفهرت الوجوه، ثم كانت قاصمة الظهر عندما انتقل القمني للهجوم على بعض الآراء التي تخص المسيحية، هنا صدرت همهمات من الحضور، الذين كانوا في مجملهم من الإخوة المسيحيين، ولم يفوّت صديقنا هذه الفرصة وقال ضاحكا: الآن.. وأكمل جملته بصوت هذه الهمهمات!

احتيال القمني وجهل يوسف زيدان:

وكان القمني من الذكاء بمكان، فعرف اتجاه الريح، فترك الموضوع وأمسك بصاحبنا وأعلن أسفه لأن يتعامل شاب مثقف بهذا الشكل، وعاد وزاد في سلوك صاحبنا الذي لا يليق بمحفل مستنير، وكان هذا هروبا من النافذة، فعلم أن جمهوره لا يتقبل منه إلا التحرش بالإسلام، والسخرية من شيوخه، فواصل المسيرة في هذا الاتجاه!

الأمر نفسه يسري على يوسف زيدان، وهنا لا بد من المقارنة بين الشخصين، فسيد القمني محتال يقرأ التراث قراءة انتقائية، للبحث عما يؤكد ما يقرره ابتداء قبل حصة المطالعة، فإن لم تسعفه الكتب اختلق الفكرة، لذا فقد أمسك به بعض الباحثين في موقع "إسلام أون لاين" وتعقبوا هوامش كتبه ليجدوها من تأليفه فلا أساس لها، وأن إحالاته للمجهول، وأثبتوا هذا كله، لكن بإغلاق الموقع أُهدر هذا الجهد. فيذكر القمني واقعة ويحيلها مثلا لكتاب تراثي مع ذكر الطبعة، والصفحة، وليس هناك شيء من هذا في المرجع المذكور!

أما يوسف زيدان فهو متواضع الثقافة، متورم الذات، ولهذا هو يأتي بالعجائب. انظر كيف شرح بيت شعر قديم بما يكشف عن جهل رضي عنه بحجم رضاه هو عن الجهل، وقبل كتابة هذه السطور استمعت لمقطع من لقاء تلفزيوني يتحدث فيه عن محنة الإمام أحمد بن حنبل، وكيف أنه مات تحت التعذيب في قضية خلق القرآن، والثابت أنه رغم التعذيب الشديد إلا أنه مات بعد المحنة بسنوات!

بيد أن يوسف زيدان مثل غيره من جماعة "تمكين"، يظهرون بمفردهم في البرامج التلفزيونية بحسبانهم محميات طبيعية، يتكفل أولياء أمورهم في الداخل والإقليم بحمايتهم، لهذا فإن استضافتهم في معظم المرات منفردين، ليعبروا عن جهلهم أبلغ ما يكون التعبير، وفي حضرة مذيع أجهل!

ما علينا، فتوجه يوسف زيدان هو للإصلاح الكنسي أو المسيحي، وهو ما ثبت من عمله "عزازيل"، وهو ما قيل إنه مسروق مرة من مخطوط لكاتبه الراهب هيبا، ومرة إنه منقول نقل مسطرة من رواية أجنبية، بحسب المدير السابق لليونسكو، وهو أمر يحتاج إلى فحص وتدقيق في الاتهام، إلا أن الجدير بالملاحظة أن يوسف زيدان ومع انشغاله كثيرا بـ"الهرتلة" عَمّال على بطّال، لم ينشغل بالرد على هذا الاتهام، الذي إن صح لأسقط عنه الثقة والاعتبار!

احتشاد الكنيسة ضده:
شعر هنا أن هذا التخصص من شأنه أن يجعله في أزمة مع الكنيسة وجمهورها، فذهب يقصر دعوته للإصلاح الديني على الإسلام، وإنه لمن المدهش أن يكون "داعية الإصلاح الديني" لا يستطيع قراءة آية قرآنية بشكل صحيح

ومذكرات الراهب هيبا تنتقد كثيرا من تعاليم الكنيسة المصرية، لذا فقد احتشدت الكنيسة للهجوم عليها، وصدرت عن ثلاثة من الآباء الكهنة ثلاثة مؤلفات للرد عليها، فكان الاتفاق على تصنيفها كرواية، وقد فازت بالبوكر العربية. فقد عاش يوسف زيدان في دور الأديب الكبير، لتكون هذه الراوية هي "بيضة الديك"، وقد أصدر روايتين أو ثلاثا بعد ذلك فلم تحقق نجاحا يُذكر، وليس هذا هو الموضوع!

فقد شعر هنا أن هذا التخصص من شأنه أن يجعله في أزمة مع الكنيسة وجمهورها، فذهب يقصر دعوته للإصلاح الديني على الإسلام، وإنه لمن المدهش أن يكون "داعية الإصلاح الديني" لا يستطيع قراءة آية قرآنية بشكل صحيح!

لقد عرف التاريخ دعاة للإصلاح مثل الإمام محمد عبده، وجمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد الغزالي، بيد أن هؤلاء كانوا أئمة وعلماء، في حين أننا الآن أمام تفاهة يمثلها زيدان ورفاقه، والتي تجعلهم ريشة في مهب الريح إذا جرت مناظرتهم من قبل آخرين، لأنهم ليسوا على شيء!

لقد ذكر لي المثقف القومي المغربي عبد الإله المنصوري كيف أن زيدان حل على مؤتمر في المغرب، ولم يكن جاهزا، وبدا كما لو كان لم يعد موضوعه، فقال كلاما بخفة أثار استنكار الحاضرين لأنهم اعتبروه استهانة بالمغرب العربي من جانب المشرق، إلى حد أن يتعامل معهم المحاضر بهذه الخفة. وقلت له إن زيدان لم يستهدف الاستخفاف بكم، لكن هذه حدوده الفكرية، فمن تعتقدون أن يكون محمد عابد الجابري أو حسن حنفي؟!

إنها الضحالة يا سيدي!

twitter.com/selimazouz1
التعليقات (0)

خبر عاجل